الــــظــــلــــم وخــــراب الــــعــــمــــران
معنى الظلم مؤذن بخراب العمران
إذا فتعد هذه العبارة أثرا من آثار الظلم على المجتمع؛ إذ إن الاعتداء على أموال الناس وممتلكاتهم،
يعد إرهاصا من إرهاصات انهيار الدول، وذهاب الممالك؛
ذلك لترك الناس السعي في الأرض؛ وذلك لذهاب آمالهم في تحصيل منفعة هذا السعي؛
إذ مآلها إلى النهب والاستبداد، وكساد الأسواق، وتلف الزروع، وخراب البيوت، فلا يبقى فيها ساكن
وقد بين ذلك مؤسس علم الاجتماع العلامة المسلم عبد الرحمن ابن خلدون،
في كتابه: (العبر وديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر، ومن عاصرهم من ذوي الشأن الأكبر)،
إذ عنوَن الفصل الثالث والأربعين من كتابه بـ (الظلم مؤذن بخراب العمران)
وقد بين بأن ارتباط خراب العمران بالظلم أمر نسبي؛ فبقدر ما يكون الظلمُ بقدر ما يؤول إليه العمران من الخراب؛ فإن كان يسيرا كان الخراب بقدره،
كذلك وإن كان شاملاً عاماً في كل مناحي حياة الفرد والمجتمع، كان الخراب للدولة برمتها؛ إذ تذهب مادة الحياة فيها وفي المجتمع
الــــظــــلــــم وخــــراب الــــعــــمــــران
أيضا فقد أورد ابن خلدون في حديثه عن الظلم وآثاره، قصة ذكرها الإتليدي في نوادر الخلفاء في بلاد فارس،
ذلك أيام حكم ملك عندهم يسمى “بهرام بن بهرام”، وكان عنده رجل الدين ينصحه، وكان يلقب “بالموبذان”،
وكيف أنه عرض له بأثر ظلمه -إن استمر-؛ في خراب دولته، وتفرق شعبه في الأمصار، وطمع أعدائه بمملكته.
هذا وقد بين الرسول -صلى الله عليه وسلم- أثر الظلم، وكيف يؤدي إلى هلاك الأمة، فقد قال -صلى الله عليه وسلم-:
(إنما أهلك الذين قبلكم، أنَهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها)
أيضا وبيان سبب هلاك الأمة كلها بالظلم أنّ الظلم كالنار؛ لا يحس بوطأتها إلا المظلومين؛
فإذا انتشر الظلم لم يعد للمظلومين الذين لا يرون في هذا المجتمع حفظاً لحقوقهم وكرامتهم، لم يعد لهم وازع يبقيهم عوامل بناءٍ في هذا المجتمع؛
فمآل ذلك أن يصيروا معاوِل هدم، بالجلاء عن البلاد بأبسط صور الهدم،
وهذا بخلاف المجتمع العادل؛ الذي يحفظ حقوق لبناته وآمالهم