العلو الكبير
لو لم يكن للكيان الصهيونيّ من مظاهر الغطرسة والبطش والكبرياء والعلو إلا ذلك الذي يمارسه في الأرض المقدسة، من احتلال وقتل وسجن وسحل وتهجير ومطاردة، وارتكاب لمجازر متتالية ومذابح متتابعة متوالية، مع انتهاكٍ ممنهجٍ للمسجد الأقصى، وإصرارٍ على اقتحامه وتدنيسه، وقتلٍ وأسرٍ للقائمين والعاكفين والركع السجود، وتآمرٍ لفرضِ التقسيم المكاني والزماني بلا أدنى حقّ؛ لو لم يكن إلا هذا ولم يقع إلا هذا لكان كافيًا في وصم هذا الكيان بالعلو في الأرض والفساد الكبير؛ فإنّ للبيت المقدس وما حوله من الأرض المباركة حرمة جليلة؛ وإنّ انتهاك هذه الحرمة والعدوان عليها لأفدحُ جريمة، ولا ريب أنّ الأمّة الإسلامية هي المالك الحصريّ لشرف الحراسة على كل هذه المقدسات منذ الإسراء بالنبي صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، وليس فقط منذ الفتح الإسلاميّ لبيت المقدس.
فكيف يكون الأمر وقد تغلغل العدو الصهيونيّ من خلال اتفاقيات التطبيع في أحشاء الأمة وبين أنسجتها؟! وصار يشكل بذلك خطرًا -ليس على المسجد الأقصى وحسب- بل على جميع ما هو مقدس في الإسلام بما في ذلك المسجد النبويّ والمسجد الحرام، كيف وقد أمسى بأجهزة إفساده الفاجرة قابعًا وممدًا في كافَّة المجالات والميادين، في السياسة والإعلام والتعليم والاقتصاد والزراعة، وفي كل ما هو خطير وحسّاس، وكل ما من شأنه أنْ يمثل أيّ مساسٍ به تهديدًا لأمن الأمة القوميّ وأمنها الغذائي، وأمنها المائي، بل وأمنها الدينيّ؟! ألا إنّه العلو الكبير والإفساد الخطير كما أخبر العليم الخبير.
العلو الكبير
ها هم عباد الله، ها هم صفوة أهل الإسلام، وعصب الأمّة الإسلامية، وجوهر أهل السنة وزبدة الطائفة المنصورة، ها هم أولاء كالطوفان المزمجر يحاصرون المحتل وينقضون عليه من كل صوب، ويفاجئونه من كل حدب، ويقطعون عليه كل طريق، ويأخذون عليه كل سبيل، ويطاردونه في كل أرض، ويهوون عليه من كل سماء، لم تشهد إسرائيل – حسبما صرح به ناحوم بارينا الكاتب بصحيفة يدعوت أحرنوت – منذ السادس من أكتوبر 1973 أسوأ من يوم السابع من أكتوبر 2023، على الأغلب لن تكون الأرقام المرعبة التي تصدر بين الفينة والأخرى عن وزارة الصحة وعن المتحدث الرسمي لجيش الاحتلال سوى جزء من الحقيقة، أخطر ما يشير إلى حجم الكارثة تلك الأعداد الهائلة للأسرى؛
فالسؤال المحير هو: إذا كانت حكومة نتنياهو قد اضطرت في عام 2011 أن تفتدي الجندي “جلعاد شاليط” من حماس.. بعدد من الأسرى الفلسطينيين بلغ 1027 منهم 280 من المحكوم عليهم بالسجن مدى الحياة.. فماذا يمكن أن تقدم لتفتدي هذه الأعداد الهائلة المرشحة للزيادة؟ .. وكيف يمكن أن يقوم جيشها بضربة عسكرية تمثل للكيان الصهيونيّ عامة ولحكومة نتنياهو خاصة طوق النجاة؟ .. أيضا كيف وهؤلاء الأسرى يمثلون دروعًا بشريّة؟ .. فإمّا أن يقتلهم فتزداد الهوة اتساعًا بينهم وبين شعبهم المهاجر أصلًا، .. كذلك وإمّا أن يتركوهم فيعجزون عن توجيه الضربة الضرورية! .. إنّه ولا ريب ورطة شديدة للكيان تمثل للمقاومة نصرًا عزيزًا.