الضربة الصهيونية في إيران
.. هل بدأ صراع إقليمي مفتوح
في أعقاب التغيرات الجيوسياسية التي شهدها الشرق الأوسط مطلع القرن الحادي والعشرين، وتحديدا بعد سقوط النظام العراقي عام 2003، ساد فراغ استراتيجي كبير سارعت إيران والاحتلال لملئه كفاعلين محوريين، يسعى كل منهما لفرض رؤيته وترسيخ نفوذه إلا أن هذا التوازن الهش سرعان ما بدأ بالتآكل تحت وطأة الطموحات الأيديولوجية والأزمات الداخلية العميقة لكلا النظامين.
- المشروع الإيراني: تصدير الثورة عبر محور المقاومة
انطلقت إيران بثقة استراتيجية عالية، معلنة بكل فخرعن نفوذها الممتد إلى أربع عواصم عربية رئيسية (بغداد، دمشق، بيروت، صنعاء). لم تعد طهران ترى نفسها محصورة في حدودها القومية، بل قدمت نفسها كقائد لـ”محور المقاومة”، وهو مشروع أيديولوجي وسياسي يهدف لمواجهة “الاستكبار الغربي” والمشروع الصهيوني بحسب زعمها. اعتمدت طهران بشكل أساسي على بناء شبكة من القوى المحلية المسلحة و”المدنية” التي تدين لها بالولاء العقائدي والسياسي، مثل حزب الله في لبنان، والحشد الشعبي في العراق، والحوثيين في اليمن.. منحتها هذه الاستراتيجية عمقا ونفوذا مكنها من إدارة الصراع عن بعد، وتوجيه رسائل الردع دون التورط في مواجهة عسكرية مباشرة، مما عزز صورتها كقوة إقليمية قادرة على المناورة رغم الحصار الاقتصادي.
الضربة الصهيونية في إيران
- العقيدة الإسرائيلية: الردع عبر استعراض القوة المطلقة
في المقابل، عملت دولة الاحتلال على ترسيخ عقيدتها العسكرية القائمة منذ تأسيسها على مبدأ “القوة التي لا تقهر”، لم تكن هذه السردية مجرد انعكاس للتفوق العسكري، بل أداة أساسية في هندسة الوعي لدى الخصوم والحلفاء على حد سواء. استندت هذه المقاربة إلى دعامتين:
الأولى: تنفيذ ضربات استباقية دقيقة وعالية التأثير في عمق أراضي خصومها، كما حدث في استهداف المفاعل النووي السوري عام 2007، وعملية البيجر وصولا إلى أهداف متعددة في قلب إيران.
الثانية: التوظيف الإعلامي والنفسي لهذه العمليات لإبراز التفوق الاستخباراتي والتكنولوجي، وترسيخ صورة الجيش الذي يمتلك القدرة على الوصول إلى أي مكان وفي أي وقت.
- سيناريوهات الصراع الإيراني الصهيوني
بعد أن كسرت قواعد “حرب الوكالة” ووصل الصراع اليوم إلى مستوى المواجهة المباشرة، تقف المنطقة أمام مستقبل محفوف بالمخاطر. الخيارات المتاحة لا تبدو بين الحرب والسلام، بل بين أشكال مختلفة من الخسارة والاستنزاف:
- سيناريو حرب الاستنزاف طويلة الأمد: يمثل هذا المسار استمرارا للوضع الراهن ولكن بوتيرة أعلى. ستشهد المنطقة سلسلة من الضربات المتبادلة وعمليات الاغتيال والهجمات السيبرانية، مما يستنزف الموارد الاقتصادية والبشرية للطرفين دون تحقيق نصر حاسم. النتيجة هي “موت بطيء” للمنطقة.. كما تضعف فيه شرعية الأنظمة داخليا.. أيضا ويتعمق فيه اليأس الشعبي.. كذلك وتصبح المنطقة رهينة لحالة “اللا حرب واللا سلام” الهشة.
- سيناريو الانتصار الرمزي: قد ينجح أحد الطرفين في توجيه ضربة استراتيجية (نووية..) .. كما تبدو وكأنها “نصر”.. لكن كلفتها ستكون باهظة.. كذلك إلى درجة تجعلها أقرب إلى الهزيمة.. أيضا سيؤدي هذا السيناريو إلى دمار هائل.. كذلك وأزمات إنسانية، وعزلة دولية للمنتصر.. الذي سيجد نفسه قد أحرق جميع أوراقه.