فما هو مفهوم التدين ؟؟
إن انفعال الإنسان بالدين في حياته انفعالا إراديا، فيصدق ما جاء به من بيان في شرح حقيقة الوجود، ويجري سلوكه على حسب ما جاءت به تعاليمه العملية ، ومن ذلك يكون شرعه في واقع حياته، وهذا الانفعال بالدين ، تصديقا عقليا وسلوكا عمليا، هو التدين، على معنى أنه تحمل الدين واتخاذه شرعة ومنهاجا، فالدين إذن هو التعاليم الإلهية التي خوطب بها الإنسان على وجه التكليف، والتدين هو الكسب الإنساني في الاستجابة لتلك التعاليم، وتكييف الحياة بحسبها في التصور والسلوك .
هل يختلف الدين عن التدين ؟
وبحسب هذا التعريف فإن حقيقة الدين تختلف عن حقيقة التدين ، إذ الدين هو ذات التعاليم التي هي شرع إلهي، والتدين هو التشرع بتلك التعاليم، فهو كسب إنساني .
وفي هذا السياق لنا أن نستحضر الحديث الشهير في التداول الشرعي، والمتعلق بمراتب الدين، وهو حديث جبريل عليه السلام ..
فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: حدثني أبي عمر بن الخطاب، قال: بينما نحن جلوس عند رسول الله صل الله عليه وسلم ذات يوم ، إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد. حتى جلس إلى النبي ، فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه. وقال: يا محمد، أخبرني عن الإسلام، فقال رسول الله الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا ، قال: صدقت. فعجبنا له يسأله ويصدقه. قال: فأخبرني عن الإيمان، قال: «أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره»، قال: صدقت. قال: فأخبرني عن الإحسان، قال: «أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه، فإنه يراك». قال: فأخبرني عن الساعة، قال: «ما المسؤول عنها بأعلم من السائل». قال: فأخبرني عن أمارتها. قال: «أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة، العالة، رعاء الشاء، يتطاولون في البنيان». قال: ثم انطلق. فلبثت مليا، ثم قال لي: «يا عمر أتدري من السائل؟»، قلت الله ورسوله أعلم، قال: «فإنه جبريل، أتاكم يعلمكم دينكم.
مراحل ومراتب التدين .
ومنه يتضح أن مراتب التدين ثلاث :
المرحلة الأولى :
فالحديث هنا فسر الإسلام بالأعمال الظاهرة ، وذلك لأن الإسلام والإيمان قد اجتمعا في سياق واحد ، وحينئذ يفسر الإسلام بالأعمال الظاهرة كما أشرنا ، ويفسر الإيمان بالأعمال الباطنة من الاعتقادات وأعمال القلوب .
المرحلة الثانية :
أما الإيمان فيتضمن أمورا ثلاثة : الإقرار بالقلب ، والنطق باللسان ، والعمل بالجوارح والأركان ، فالإقرار بالقلب معناه أن يصدق بقلبه كل ما ورد عن الله تعالى ، وعن رسوله صلى الله عليه وسلم من الشرع الحكيم ، ويسلم به ويذعن له ، ولذلك امتدح الله المؤمنين ووصفهم بقوله ) إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابو ( الحجرات : 15 ، ويقابل ذلك النفاق ، فالمنافقون مسلمون في الظاهر ، يأتون بشعائر الدين مع المسلمين ، لكنهم يبطنون الكفر والبغض للدين .
المرحلة الثالثة :
و مرتبة الإحسان ، وهي أعلى مراتب الدين وأشرفها ، فقد اختص الله أهلها بالعناية ، وأيدهم بالنصر ، قال عز وجل( إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون ( النحل : 128 ، والمراد بالإحسان هنا قد بينه النبي صلى الله عليه وسلم في قوله ( أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك) ، وهذه درجة عالية ولا شك ، لأنها تدل على إخلاص صاحبها ، ودوام مراقبته لله عز وجل .
ومن هذا يتضح لنا كيف يكون المسلم الحق الذي يلتزم بالدين ويتخذ منه منهاجا لكل حياته فيكون حياته ونسكه ومحياه ومماته لله رب العالمين وبهذا يصل المسلم إلى إرضاء المولى عز وجل .