الإنسان بين الظلم والحرية
إن رسالة الأمة المسلمة الأساس في هذه الحياة: تمثل العدل وتجسيده في حياتها، إثارة للاقتداء، ووسيلة لإيصاله للناس، وإغرائهم بالتزامه، وتحذيرهم من الظلم، وبيانا لعواقبه، على المستويات المتعددة، فقال تعالى: ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس … ) (البقرة:143)،
والوسطية هنا تتمحض بمعنى التوازن والاعتدال في السلوك والعدل مع الناس، ذلك أن مهمة الأمة المسلمة في الحياة تجسيد العدل ونشره وإبلاغه وحمايته في المجتمع، ومواجهة الظلم ومعالجة أسبابه ومحاصرة آثاره، وبيان مخاطره على الفرد والمجتمع، حيث لم تقتصر مسؤولية الأمة المسلمة عن إقامة العدل في ذاتها ومحاولة إشاعته بين الناس في الحاضر، وإنما تجاوزت تلك المسؤولية إلى الشهادة على الالتزام به ومدى الممارسة لخروقاته واختلالاته وحيدته عن النهج الصحيح في الماضي أيضا، وبيان عوامل السلامة، التي تؤهل لعبور المستقبل
وبذلك، فالوسطـية لا تعـني التعادلية، أو الحياد السلبي، ومسك العصا من المنتصف -كما يقولون- كما أنها لا تعني التنازل عن القيم وتجاوز الضوابط الشرعية وإلغاء مقومات (الذات) لإرضاء (الآخر)، باسم التسامح، كما يتوهمها البعض، ويدعو إليها ويتلاعب بمضامينها ومصطلحاتها أعداء هذا الدين، ويحاول جر المسلمين إليها؛ لأن في ذلك تحولا عن العدل إلى الظلم وعن الإسلام إلى الجاهلية
الإنسان بين الظلم والحرية
لذلك فعصمة المجتمع وتحصينه ووقايته من الظلم، بكل تمظهره، هي مسؤولية الجميع، يقول تعالى:( واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة … ) (الأنفال:25) ؛
ووقاية المجتمع من الفتن والاضطراب والفوضى إنما تتحقق باستنفار أفراده جميعا، كل من موقعه،
ذلك للمواجهة والاضطلاع بمسـؤوليته، سواء في ذلك معـالجـة أسباب الظـلـم للوقـاية منـه،
أو الأخذ على يد العابثين الظالمين في المجالات المتعددة، الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والتربوية، وممارسة الكهانات الدينية،
كذلك وحماية السفينة (المجتمع) من الخرق والفسوق، الذي يغرق الجميع ويهلك الجميع، أو بالتصدي لمعالجة آثاره وتأثيراته،
أيضا وعدم التوهم بأن النجاة إنما تتحقق بإيثار العافية والانسحاب من الحياة وأنشطتها وعدم ممارسته؛
ذلك أن رذاذه يصيب الجميع، بكل ما يتولد عنه من تداعيات وفتن.