الإسراء والمعراج بين الإيمان والأمل
لقد أكرم الله تعالى هذه الدعوة الإسلامية المباركة، وتلك الأمة العظيمة بخير نبي وبخير كتاب وبخير دعوة، أكرم الله أمّتنا بدولة وفكرة وصحبة عظيمة، وما قامت الدولة، ولا رسخت الفكرة، ولا عظمت الصحبة، إلا بعد تنقية وغربلة لصف المؤمنين.
ولقد تنوّعت مراحل التنقية في تاريخ الأمة ودعوتها، ومن بين مراحل التنقية والتصفية: رحلةٌ بل رحلتان عظيمتان امتنّ الله بهما على خير أنبيائه ومرسليه، وشرّفه ربّه بأفضل مقام، وأعلى منزلة، إنّها رحلة الإسراء ورحلة المعراج، التي أعلن ربُّنا فيها قيمة نبيه ومصطفاه محمد، وأعلن كذلك قيمة هذه الأمّة وعظمتها آمَنَ بذلك من آمن، وكفر مَن كفَر.
♦ ها هو الداعية الأول صلى الله عليه وسلم في مكة، يدعو قومه إلى الله تعالى.. سنواتٌ مأساوية، مليئة بالعواصف العاتية من التعذيبِ والإيذاء، والبغضاء والافتراء.. مزّق شمل أتباعه، وسامهم أهل مكة سوء العذاب، ثم كان العام العاشر من البعثة العام الحزن الذي فقد فيه صلى الله عليه وسلم عمه أبا طالب الذي كان ينافح عنه ويدفع عنه أذى قريش، وبعد وفاة أبي طالب بثلاثة أيام أو شهرين يفجع النبي صلى الله عليه وسلم بموت رفيقة دربه السيدة خديجة رضي الله عنها، وهي من في مؤازرتها له وقوفها إلى جانبه في أشد المواقف على مدى خمسة وعشرين عاماً.
الإسراء والمعراج بين الإيمان والأمل
♦ يتلفت عليه الصلاة والسلام في مكة فلا يجد من ينصره ليبلغ رسالة ربه، فيخرج إلى الطائف، ويعرض دعوته على ثقيف، فيردون عليه بأقبحِ رد، وآذوه ونالوا منه ما لم ينل منه قومه. وأغروا به سفهاءهم يرمونه بالحجارة حتى دميت قدماه الشريفتان.
♦ وينصرف صلى الله عليه وسلم من الطائف محزوناً مهموماً، يمشي ولا يشعر بنفسه، حتى استفاق في قرن الثعالب فأخذ يناجي ربه بالدعاء المشهور: اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس. أنت أرحم الراحمين أنت رب المستضعفين وأنت ربي إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهمني أم إلى عدو ملكته أمري؟ .. إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي.. غير أن عافيتك أوسع لي.. أعوذ بنور وجهك الكريم الذي أشرقت له الظلمات .. وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة.. أن يحل علي غضبك أو ينزل علي سخطك.. لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بك.. ثم يعود صلى الله عليه وسلم إلى مكة.. فلم يستطع دخولها إلا تحت جوار المطعم بن عدي وهو رجل مشرك.