﴿وَإِنَّ هَٰذِهِ أمَّتُكُمْ أمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ﴾ (المؤمنون: 52).
في مرحلةٍ مفُصَلِيةٍ وفارقةٍ من تاريخ الأمة، وبعد أن تفكك كيانُها السياسي الجامع، وتحولت بلدانُها إلى مستعمرات أوربية؛ تأسست جماعةُ “الإخوان المسلمون” عام 1928م، فكانت بمثابة الروحِ التي سَرَتْ في أوصال الأمة، تسعى لعودة لحمتها، واستعادة مقدراتها، واجتماع كلمتها على كتاب ربها وسنة نبيها صلى الله عليه وسلم، ومنهج دينها القويم؛ فتنفض عنها ما أصابها من غبار الجهل والتخلف، وما اعتراها من وهنٍ، وما أصابها من ضعف.
كما كان بعثُ الأمل وعودةُ الروح إلى الأمة؛ لتضطلع بدورها في هداية الخلق هو المهمة الأولى لجماعة “الإخوان المسلمون” التي تحمَّلت أمانتها منذ أن أسسها الإمام الشهيد حسن البنا (رحمه الله) الذي قال: “أنتم روحٌ جديدةٌ تسري في هذه الأمة فتحييها بالقرآن”.
كذلك ولم يكن لهذا الأمل الكبير أن يتحقق إلا بإرادة صلبة، وروح وثَّابة، وعزيمة ماضية، ومنهج واضحة معالمه، مرسومة خطواته.. كذلك فالفجوة بين الواقع والمأمول كبيرة، والمشروع الإسلامي الجامع تقف أمامه عقبات جسام، وتترصَّد له كل قوى الاستكبار العالمي بكل ما تملك من أدوات وإمكانات.
الإخوان المسلمون والمئوية الأولي
هذا وقد اختطت الجماعة لنفسها طريقًا سارت فيه على خطى النبي صلى الله عليه وسلم. أيضا الذي جاء بدين لا يعتزل الحياة، بل يلتحم بها فيصبغها بصبغته ويهديها بهديه: {صِبْغَةَ اللَّهِ ۖ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً ۖ وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ “ (البقرة: 138). أيضا فرسم للأمة طريقها في كل خطواتها وفي كل المجالات، سياسية كانت أو اقتصادية أو اجتماعية أو تربوية وإيمانية. ذلك انطلاقًا من قول الله تعالى: {قلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ ۖ وَبِذَٰلِكَ أمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (الأنعام: 162،163).
أيضا ومع وضوح الهدف سعى الإمامُ البنا إلى غايته بخطوات محسوبة وخطة مرسومة؛ فأسس التنظيم واعتنى به كل العناية. ذلك ليكون الوعاءَ الحافظَ للدعوة والنواةَ الصلبةَ التي لا يقوم مشروعُ أمة بدونها. أيضا لتنطلق تلك النواةُ إلى المجتمع تعرِّف بالفكرة الإسلامية وتصنع تيارًا واسعًا مؤيدًا لها.
كذلك واليوم وقد اقتربت المسيرةُ المباركة من المئوية فهي تسير – بفضل الله – بخطواتٍ واثقةٍ نحو أهدافها.. مهما واجهتها التحدياتُ واعترضتها العقبات؛ فأينعت ثمارُها وانتشرت في العالمين.. كذلك واتسعت حاضنتها الشعبية، وهي مع كل ذلك محضُ جهدٍ بشري؛ يعتريه ما يعتري البشر من أخطاء.. إلا أن بَوْصَلتها – بحول الله – لم تنحرف عن طريقها، ولم تفرِّط في ثوابتها، ولم تفقد الأمل في تحقيق أهدافها.. كما يحدوها قول الله عز وجل: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (النور: 55).
أ . د. محمود حسين
القائم بعمل فضيلة المرشد العام لجماعة “الإخوان المسلمون”
الجمعة 12 رمضان 1445 هـ الموافق 22 مارس 2024 م
