يظهر اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران، وقبله بساعات اغتيال فؤاد شكر أحد كبار قادة حزب الله في غارة صهيونية على الضاحية الجنوبية لبيروت ثلاثة استنتاجات مهمة تقود جميعها إلى تعزيز الاعتقاد بأن حرب السابع من أكتوبر/تشرين الأول لا تزال أبعد ما يكون عن نهاية قريبة لها، أو حتى استقرارها على وتيرة منخفضة المخاطر من حيث البعد الإقليمي لها.
والاستنتاج الثاني أن انخراط الاحتلال في الجهود الدبلوماسية الجديدة للتوصل إلى صفقة مع حركة حماس لوقف إطلاق النار في غزة، وموافقتها على المقترح الذي عرضه الرئيس جو بايدن لم يكونا سوى لعبة جديدة من ألاعيب نتنياهو في هذه الحرب لخداع العالم. وحقيقة أن هنية كان يمثل قوة دافعة لإبرام صفقة لتبادل الأسرى والرهائن وإنهاء الحرب، تشير إلى أن أحد الأهداف الرئيسية لاغتياله تقويض الفرص الممكنة للتوصل إلى مثل هذه الصفقة في المستقبل المنظور.
استنتاجات مهمة من اغتيال هنية
هناك سبب واضح يفسّر تهرب نتنياهو من استحقاق الصفقة في الوقت الراهن، وهو أن شركاءه الأكثر تطرفًا في الحكومة لا يريدون لهذه الحرب أن تنتهي من دون أن تحقق فيها الاحتلال نصرًا واضحًا. لكن هذا السبب ليس الوحيد. يراهن نتنياهو على عودة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل. ويعتقد أن مثل هذه العودة ستطلق اليد الأميركية لدولة الاحتلال لإنجاز ما عجزت عن تحقيقه في الحرب مع إدارة بايدن.
أما الاستنتاج الثالث فهو أن اللعب الصهيوني على حافة الهاوية في المواجهة مع إيران وحلفائها في المنطقة يمكن أن يدفعها إلى حرب إقليمية شاملة بمعزل عن الرغبة المعلنة من قبل الاحتلال وإيران والولايات المتحدة بتجنّبها، وأن قواعد الردع والاشتباك، التي أدارت المسار الإقليمي لحرب السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وحالت حتى اليوم دون خروجه عن السيطرة، لم تعد قائمة بعد اغتيال هنية في طهران، والضربة الصهيونية على الضاحية الجنوبية لبيروت. وسيكون الردّ الإيراني المنتظر على عمليتَي الاغتيال إن بشكل مباشر أو عبر الحلفاء أو كليهما معًا، حاسمًا في تحديد مسار الحرب بعد الآن.
لكن الاختبار الصعب، الذي يواجه طهران وحلفاءها، يتمثل في رد قوي على عمليات الاغتيال يوازن بين إعادة ترميم قواعد الردع والاشتباك مع الاحتلال ولا يؤدي إلى الانزلاق نحو حرب إقليمية. إن اغتيال هنية في طهران يشكل ضربة كبيرة لإيران ليس فقط على صعيد الانكشاف الأمني الداخلي الخطير، بل أيضًا على صعيد تصدع مفهوم الردع الجديد الذي سعت لتكريسه في صراعها مع الاحتلال منذ الهجوم الصاروخي الإيراني المباشر عليها في أبريل/ نيسان الماضي.
قد يساعد اغتيال هنية والقائد الكبير فؤاد شكرفي حزب الله.. كذلك نتنياهو في تسويقه داخليًا لإعادة توحيد الصهاينة خلفه في هذه الحرب.. أيضا وإظهار أن إدارته لها تحقق نتائج قوية، وخارجيًا لإرسال رسالة ردع قوية لإيران وحلفائها في المنطقة.. لكنّه لن يخرج الاحتلال من المأزق الإستراتيجي الذي تواجهه في حرب السابع من أكتوبر/تشرين الأول.
العجز الصهيوني
لا تزال دولة الاحتلال عاجزة عن تحقيق أهداف الحرب التي وضعتها في قطاع غزة.. كذلك وفي استعادة محتجزيها بالقوة، وفي القضاء على زعيم حماس في غزة يحيى السنوار.
ومن غير المتصور أن يؤدي اغتيال هنية بأي حال إلى تزعزع القيادة في حركة حماس.. كما أن الاستقطاب الداخلي الصهيوني العنيف إزاء إدارة نتنياهو للحرب .. كذلك لن ينتهي بمجرد اغتيال قادة في حماس، واستعراض القوة مع إيران وحلفائها.
علاوة على ذلك، سيبقى حزب الله يشكل معضلة إستراتيجية أخرى للاحتلال في استعادة الأمن على جبهتها الشمالية.. أيضا وحتى في الوقت الذي تظهر فيه إيران وحزب الله حذرًا شديدًا في تجنب الانزلاق إلى مواجهة أوسع.. فإن جبهات الإسناد الإقليمية للمقاومة الفلسطينية .. كذلك ستبقى تعمل كعنصر ضغط كبير على السياسة الصهيونية والأميركية في الحرب.
لقد أصبح مستقبل الشرق الأوسط أكثر من أي وقت مضى رهينة لمغامرات نتنياهو.. تلك التي لا تستمد قوتها من نزعة الغطرسة الصهيونية فحسب.. بل أيضًا من تغذية الولايات المتحدة والغرب لها،.. كذلك وللمسار المرتفع المخاطر الذي يسلكه الصراع الصهيوني الإيراني بعد اغتيال هنية وشكر.
والتكاليف الباهظة، التي عملت في السابق كرادع قوي لمنع نشوب حرب إقليمية.. أيضا لم تعد تعني أن هذه الحرب لا يمكن أن تحدث.. كما لا تعني أنها حتمية أيضًا. مع ذلك.. قد تكون عمليات الاغتيال مجرد بداية للسيناريو الأكثر خطورة في حرب السابع من أكتوبر/تشرين الأول.
كذلك لا يزال العامل الأميركي أحد العوامل الحاسمة في منع تأجيج الاضطراب الإقليمي. ودبلوماسية القنوات الخلفية.. أيضا التي انتهجتها واشنطن مع طهران في الأشهر الماضية لإدارة الفعل ورد الفعل بين الاحتلال وإيران.. كذلك ستختبر مرّة أخرى ما إذا كانت لا تزال فعّالة في خفض المخاطر.