ارتفاع الأسعار وانهيار العملة
ارتفاع جنوني في الأسعار وانهيار العملة
أصبح من المعتاد في مصر أن ترتفع أسعار جميع السلع ارتفاعا دوريًّا طيلة شهور السنة، ومع كل مناسبة اجتماعية أو دينية،
أيضا لا سيما أسعار الوقود والكهرباء التي ما انفكت الحكومة ترفع الدعم المُخصَّص لها على مدار السنوات الماضية،
إلى جانب أسعار السلع الغذائية التي يشتكي الناس من ارتفاعها من شهر إلى آخر، وتتأثر بطبيعة الحال بأسعار الوقود،
وكذلك بسعر صرف العملة المحلية أمام الدولار بالنظر إلى استيراد جزء كبير منها من الخارج.
يربط كثير من المحللين العرب موجة التضخُّم الحالية بآثار الحرب الروسية-الأوكرانية، بيد أن أزمة ارتفاع الأسعار في مصر أقدم من ذلك بكثير،
بل وتعود جذورها إلى عقود من الانفتاح الاقتصادي الذي بدأه نظام السادات قبل نحو خمسين عاما، وربما إلى إخفاقات السياسات الاقتصادية الناصرية.
إذا هي أزمة مزمنة على ما يبدو، حتى باتت تعجُّ بها الأفلام والمسلسلات، وأشهرها مشهد المُمثِّل “عادل إمام” من فيلم “الإرهاب والكباب”،
حين سأل أحد ركاب الحافلة الذي يهتم يوميا بقراءة الجرائد: “طب مفيش حاجة هتِرخَص؟”،
فرد عليه الرجل الردَّ الشهير: “حاجات كتير هترخص وهتبقى بسعر التراب.. أنا وأنت والأستاذ وحضراتكم أجمعين”.
حاول كتاب “متى ينتهي الغلاء في مصر؟ مقدمة وجيزة عن التضخُّم”، الذي نشرته دار المرايا عام 2017 بتحرير الباحث “محمد جاد”،
كذلك أن يقدم رؤية تفسيرية لأزمة التضخم في مصر. ولا يُقدِّم الكتاب الذي يقع في 180 ورقة إجابة شاملة عن هذا السؤال البسيط، لأنه وإن بدا بسيطا،
ارتفاع الأسعار وانهيار العملة
فإنه يحتاج إلى إجابات شديدة التركيب والتعقيد. إن التضخم الذي يُعَدُّ حسابا لمتوسط زيادة أسعار السلع كلها بواسطة رقم واحد؛
كما يعَد “مؤشرا عموميا للغاية لا يعكس لنا تأثير حركة الأسعار على طبقات المجتمع المختلفة وكيف تكون أشد وطأة على الطبقات الأكثر فقرا”.
أيضا صحيح أن التضخم ظاهرة طبيعية في أي اقتصاد، حيث ينذر ارتفاعه فوق معدل 10% بتدهور الأحوال الاقتصادية والمعيشية، لكن أسبابه ليست خارجية فقط، ففي حالة مصر التي يتناولها الكتاب، تبدو أزمة التضخم أزمة هيكلية،
وتضرب بجذورها في قلب الاقتصاد المصري، ولا يبدو لها علاج ناجع حتى الآن.
فكل العلاجات والأدوية المرّة التي تجرَّعها الاقتصاد ومعه المجتمع المصري كله تحت وطأة سياسات
صندوق النقد الدولي والقرارات المتعثرة لإدارة الاقتصاد لا يمكن أن تشفي الاقتصاد المصري من أمراضه المزمنة،
وليس التعويم وانخفاض العملة إلا أعراضا جانبية للاقتصاد المُعتَل الذي يصارع الموت منذ سنين