اختبارات اليقين
كيف يختبر اليقين؟ ما هو المحك الذي يتبين به رسوخ الإيمان، وثباته في قلب الإنسان؟ هناك مواقف يتبين العبد حاله فيها ومرتبته في هذا الباب، ومن هذه المواقف والمواطن:
1_موقف التوبة: فالعبد الذي قد كمل اليقين في قلبه؛ لا يتردد إذا وقع منه تقصير، أو ذنب، أو زلة-
وكل إنسان معرض لذلك- فإنه يبادر إلى التوبة من غير تردد، ويرجع إلى الله عز وجل، وينيب إليه؛
ذلك لأنه يعلم أن ثمة يوماً سيحاسب فيه على القليل والكثير، والدقيق والجليل، وسيؤاخذ بجرمه، فلا تردد عنده في التوبة. وأما من ضعف يقينه،
كذلك فيحتاج إلى تحريك القلب بعرض ألوان من المواعظ والعبر، والأمور المرقِّقة لقسوة قلبه، والأمور التي تزيل عن هذا القلب الغشاوة والغفلة،
أيضا فيتحرك قلبه ويلين ويرق للتوبة، فيكون ذلك موَطِّئَا لها، ولربما احتاج إلى إقناع، ولربما احتاج إلى مسَايَسَة ومداراة وطول صحبة؛
ذلك من أجل أن تصلح حاله، ويتوب ولربما وعد بالتوبة ثم بعد ذلك يتراجع ويتردد ويحسب بزعمه الخسائر والأرباح، إذا تاب سيخسر هؤلاء الأصدقاء،
سيخسر هذه الوظيفة، سيخسر كذا من أطماعه وشهواته، ثم يبقى متردداً متذبذباً يقدم رجلاً ويؤخر أخرى، وما ذلك إلا لضعف يقينه.
ولو اكتمل اليقين عند العبد فإنه لا يبالي بشيء، وإنما همته وطِلْبَتُه هو رضا الله جل جلاله فلا يحتاج إلى إقناع، ولا يحتاج إلى مسَايَسَة،
أيضا ولا يحتاج إلى كثير ملاطفة، ولا يحتاج إلى طول صحبة؛ من أجل أن يتأثر،
ومن أجل أن ينتقل من بيئة سيئة إلى بيئة أخرى، ولربما جئت بإنسان صاحب معصية،
اختبارات اليقين
لربما جئت بمغنى من المغنين، لربما جئت بصاحب باطل ممن له في باطلة رزق ومعيشة، وكسب وشهرة،
وما إلى ذلك، فحدثته وبينت له الأدلة على حرمة هذا الفعل، ولربما أقر لك بذلك وقال:
أنا أقر بهذا، لكن: من أين لي أن آكل؟كذلك من أين لي أن أستقطب الأضواء؟ من أين لي بالجماهير التي تصفق حينما أظهر على خشبة المسرح
2_ هو موقف المصيبة: فكثير من الناس يحسن الكلام عن الصبر، وعن الثبات، وعن الإيمان،
أيضا وعن الجزاء الذي يعطيه الله عز وجل للصابرين في الدار الآخرة، وما أعد لهم من النعيم المقيم،
ولكنه إذا وقعت المصيبة؛ اضطرب وتحرك قلبه، فجزع، ولم يثبت ولم يصبر، وإنما كان متسخطاً على ربه تبارك وتعالى معترضاً على أقداره
3_ في حال الحاجة: فإذا احتاج العبد وافتقر إلى المخلوقين، إلى مَالِهِم في فقره في دنياه، أو احتاج إليهم في شئ من الأشياء في دنياهم، فإنه بذلك يختبر يقينه،
فإذا كان قلبه يتلفت إلى المخلوقين، ويتطلع إليهم، ويتعلق بهم لينال ما عندهم؛ فإن قلبه لم يتحقق باليقين بعد.
وأما إذا كان قلبه متوجهاً إلى الله وحده لا شريك له، لا يلتفت إلى أحد من المخلوقين،
أيضا ولا يتعلق بهم؛ فإن هذا اليقين هو اليقين الكامل.