مفهوم النصر والهزيمة في ضوء الشريعة الإسلامية
إن مفهوم النصر في القرآن الكريم مختلف كليا عن مفهومنا له،.. فالمفهوم البشري يحصره في هزيمة الخصم…إما بالقضاء على إمكاناته البشرية والمادية،.. أو إجباره على الانسحاب من أرض كان يحتلها أو سعى لاحتلالها،
لكن مفهوم القرآن الكريم غير ذلك تماما، لنأخذ على سبيل المثال قوله تعالى: ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأشْهَادُ﴾ (غافر:51).
إنه يتكفل سبحانه بنصر رسله والمؤمنين ..في الحياة الدنيا والآخرة، وانتصارهم في الدنيا يعني وفق فهمنا،.. علو الرسل على أعدائهم، وذلك إما بانتقام الله من المشركين المعاندين،.. أو التقاء الفريقين، فتكون الغلبة للرسل والمؤمنين،.. بالقضاء على جيوش الباطل،.. لكن ما وقع غير ذلك، فنحن نعلم أن من الأنبياء من قتله قومه،
مثل يحيي وزكريا عليهما السلام، ومنهم من هموا بقتله فنجاه الله من بين أيديهم، .مثل محمد صلى الله عليه وسلم، وعيسى ابن مريم عليه السلام، ومنهم من أخرج من بلده، مثل نبينا الكريم، وإبراهيم عليه الصلاة والسلام، الذي هاجر إلى الشام.
مفهوم النصر والهزيمة في ضوء الشريعة الإسلامية
وهنا قد يتساءل أحدنا فيقول: أين النصرة للرسل التي ذكرها الله سبحانه وتعالى، وهؤلاء أنبياؤه ورسله، وبعضهم من أولي العزم من الرسل، يصيبهم من أقوامهم القتل والإخراج من الأرض؟ أليس القتل والإبعاد هزيمة معنوية ومادية، فكيف يختارها الله لأنبيائه وأوليائه؟ والجواب من وجهين كما جاء عند الطبري في تفسير هذه الآية: أحدهما أن يكون معناه: إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا، إما بإعلاء الرسل على المكذبين، حتى يقهروهم، وإما بإهلاك من حاربهم وشاقهم، وإنجاء الرسل ممن كذّبهم وعاداهم، أو بالانتقام في الحياة الدنيا ممن كذب المرسلين وقتلهم.
والوجه الآخر: أن يكون هذا الكلام على وجه الخبر عن الجميع من الرسل والمؤمنين، والمراد واحد، فيكون تأويل الكلام حينئذ: إنا لننصر رسولنا محمدا، والذين آمنوا به في الحياة الدنيا، ويوم يقوم الأشهاد، كما بيَّنا فيما مضى أن العرب تخرج الخبر بلفظ الجميع، والمراد واحد إذا لم تنصب للخبر شخصا بعينه.
وعلى هذا القول، فهي مكرمة من الله لهذه الأمة، وبشرى لأتباع النبي في كل مكان، بأنهم منصورون بحول الله، حتى وإن انتفش الشرك، وعم الظلم. ومن خلال ما ذكره الإمام الطبري في الوجه الأول، نجد ثلاث صور للنصر، وهي كالتالي:
الأولى: ظهور الأنبياء والمرسلين على المكذبين من أقوامهم.
الثانية: نجاة الرسول وهلاك المكذبين، ومنه ما حدث مع قوم نوح لما كذبوا نبيهم.
الثالثة: قتل الرسول وربما بعض أتباعه، ثم يأتي انتقام الله من المجرمين المكذبين بأيدي أقوام آخرين.
قد يقول قائل: إن الصورة الأولى والثانية هي فعلا من وجوه النصر، لكن أين وجه النصر في الصورة الثالثة، نعم جاء الانتقام بيد أناس آخرين، لكن ذلك جاء بعد قتل النبي وأتباعه، فكيف يكون ذلك نصرا؟
في الذكرى الـ50 لحرب أكتوبر.. مفهوم النصر والهزيمة في ضوء الشريعة الإسلامية
في الذكرى الـ50 لحرب أكتوبر | د. سعيد الصاوي – باحث في الدراسات الإسلامية والتربوية