سيد قطب صانع الشهادة
في التاسع من أكتوبر/تشرين الأول عام 1906، ولد سيد قطب في قرية موشا بمحافظة أسيوط، وخلال سنوات الطفولة حفظ القرآن الكريم بالتوازي مع تلقي تعليمه الأولي، ثم سافر في الـ١٦ من عمره إلى القاهرة ليكمل تعليمه ويتحصل على شهادة البكالوريوس في كلية دار العلوم
الكتابة عن الأستاذ سيد قطب تحتاج إلى قراءة موسوعية وقدرة على استيعاب تلك الانعطافات في مسيرته والبحث عن الشيء المفقود الذي ظل يسعى وراءه،
غير أن أكثر ما يبدو بارزا وواضحا في رحلة الرجل رغم كل التعقيدات هو إخلاصه للفكرة – أيا كانت- حتى الموت.
ومن بين مصاعب الكتابة عن قطب هي تحديد لقب يجمع مسار رحلته الطويلة،
فهو الروائي والقاص والشاعر والناقد الأدبي، وهو الثائر والمفكر،
أيضا وهو عضو جماعة الإخوان المسلمين ورائد الفكر الحركي الإسلامي فضلا عن كونه شهيد الفكرة.
ما بين الانبهار من جانب معجبيه والنقد والكراهية من قبل معارضيه، يظل قطب بعد 57 عاما من استشهاده
-أعدم في 29 أغسطس 1966- رمزا ربما للحقيقة من وجه نظر مؤيديه أو الإرهاب وفق خصومه ومعارضيه،
غير أن الأنظمة رفعت راية العداء له بقتله ثم محاولة إعدام أفكاره،
أيضا فمنعت كتبه وسخرت الأقلام لمهاجمتها وقدمت للدراما في شكل البارود الذي يستهدف تفجير المجتمع.
سيد قطب صانع الشهادة
إلى هنا تبدو الأمور عادية، شاب عادي يأتي من أقصي الصعيد ليدرس في العاصمة،
ولا شيء يدل على أن أمواجا من الأفكار المتلاطمة تتحضر في ذهنه كي تصل إلى الشاطئ وتتولد أخرى.
ولا يمكن الوقوف على أسباب تلك المرونة في التنقلات الفكرية التي عاشها الرجل لكن الاستدلال عليها شديد اليسر؛
فلقد حلق بين أسراب الليبرالية بتأييده الخالص لحزب الوفد حد كتابة العديد من القصائد لتمجيده والثناء على زعيمه وقتئذ سعد زغلول،
كذلك ولم يخل ذلك من الدعم المستميت لكل ما يكتبه المفكر عباس العقاد،
ثم الخروج لاحقا من عباءة العقاد لتفصيل ثوب يخصه ينتقد عبره المجتمع وما يراه فيه من أخطاء وخطايا.
وفي خضم رحلة التقلبات الفكرية سافر قطب إلى الولايات المتحدة الأميركية عام 1948 لدراسة التربية وأصول المناهج،
أيضا وتتحدث مراجع تاريخية عن أن تلك المنحة الدراسية كانت بناء على رغبة ملكية وقتئذ للتخلص من قلمه الذي لم ينفك عن الكتابات المعارضة.
تلك الرحلة التي لم تستغرق سوى عامين مدت المفكر والأديب بأفكار جديدة وهو أمر اعتاد عليه، فالتغير هو دأبه وطريقه للوصول إلى الحقيقة
كما عاد الرجل من بعثته محملا بكثير من الحنق على الغرب بشكل عام وعلى أميركا بشكل خاص التي رآها ترفع راية العلم في حين أنها لا تمتلك الروح التي هي أساس الحياة،
وهنا يصعب حصر المسببات الحسية والمادية التي أوصلته لتلك الرؤية التي ستقوده بعد ذلك إلى التوجه الإسلامي.