رمضان موسم الهداية الإلهية
بقلم: د. عبد الستار فتح الله السعيد
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد:
فإن الله تعالى هو خالق الكون، ومالك الملك، ومدبر الأمر، يُشرف من شاء من خلقه بما شاء، ويُعظم من أراد في ملكه بما أحب، وله في كل شيء الحكمة التامة، والعلم المحيط.
ولقد كرم الله تعالى الإنسان وفضله على كثير من خلقه، وفضل بعض النبيين على بعض،
وكذلك فضل بعض الأزمنة والأمكنة على غيرها، وأودع ذلك أسراره العجيبة، وبركاته البديعة.
التشريف والتكليف:
وقد شرف الله تعالى الإنسان أعظم تشريف حين خلقه بيديه، ونفخ فيه من روحه، وأسجد له ملائكته،
وعلمه الأسماء كلها، وأسكنه جنته، وأقال عثرته، وقبل توبته، وجعله خليفة في الأرض، وزوده بنوره وهداه من أول الطريق،
ليمضى في الحياة على هديه طائعاَ لربه، محاذراَ الإعراض عن ذكره،
كما قال تعالى: (قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَأيَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَى. وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَأمَةِ أَعْمَى) (طه: 123،124).
وعلى امتداد الطريق البشرى الطويل، تجلت رعاية الله تعالى لعباده، فيما أرسل الله إليهم من الرسل مبشرين ومنذرين،
وبما أنزل لهم من كتبه هداية ونوارًا، وبما شرع لهم من تكاليف وأحكام هادية امتدت على مساحة التاريخ البشري،
واشتملت على جميع المبادئ والنظم، وعمت كل الشعوب والأمم، واستوعبت الأزمنة والأمكنة جميعًا؛ لأنها نور الله وهداه لعباده،
كما قال تعالى: (شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) (الشورى:13).
وقال تعالى: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) (النحل:36).
(إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلاَ فِيهَا نَذِير) (فاطر:24).
وبذلك تعادل التشريف والتكليف، وغدت طاعة الله على فيما اختاره لعباده من الهدى هي سبيل النجاة في الدنيا والآخرة،
بقدر ما كانت معصيته تعالى هي طريق الهلكة والضياع في الدارين.
شريعة الصيام:
ومن هذه الشرائع الهادية شريعة (الصيام)،
التي كتبها الله على الأمم في كل العصور، تأسيسًا في قلوبهم لقاعدة الدين، وهي (تقوى الله) عز وجل،
وتربية للضمير الإنساني ليكون يقظًا حساسًا تسره حسنة، وتسوءه سيئته، وشحذًا للإرادة البشرية لتأخذ بناصية صاحبها نحو الآفاق العليا، والقيم النبيلة،
ولتدفعه إلى مكافحة كل أسباب التدلي والهبوط إلى مراتع العجماوات أو الشياطين.
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَأمُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة:183).
والآية الكريمة واضحة الدلالة على أهمية شريعة (الصيام)،
ولذلك فرضها الله تعالى على الأمة الخاتمة، كما فرضها على الأمم السابقة، لضرورتها في المعني المشترك بين الجميع،
وهو (تقوى الله) تعالى ومراقبته وخشيته، والتزام أوامره، والبعد عن معاصيه – جل شأنه -،
ولذلك كانت هذه التقوى وصية الله تعالى لأهل كل كتاب أنزله،
كما قال – عز شأنه -: (وَللهِ مَا فِي السَّمَأوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللهَ) النساء:131.
رمضان موسم الهداية الإلهية
تكريم بعض الأزمنة والأمكنة:
وقد جعل الله تعالى لنا في هذا الكون الفسيح معالم للزمان والمكان،
كذلك جعل الشمس والقمر بحسبان، وكما قال تعالى: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) (يونس:5).
ومن حركات الشمس والقمر المحكمة تعلم الناس حساب الزمان بالشهور والأيام والأسابيع والأعوام، والليالي والساعات،
كذلك أيضاقد شرف الله تعالى بعض الأزمنة فأقسم بها في كتابه الكريم مثل: الفجر، والضحى، والعصر، والليل.
كذلك أخبرنا – جل شأنه – بأن الشهور (القمرية) قديمة النشأة، وقد علمها الله تعالى لعباده،
كما قال تعالى: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَأوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) (التوبة:36).
وهذه الأشهر الحرام هي: «ذو القعدة وذو الحجة، والمحرم، ثلاث متواليات، وواحد فرد وهو رجب مضر الذي بين جمادى وشعبان» –
كذلك كما جاء في الحديث النبوي الصحيح – وهي أشهر كريمة مفضلة، يحرم فيها الحجاج والعمار،
والعرب مدينون بوجودهم التاريخي لفضل الله عليهم بهذا التشريع الإلهي الحكيم،
إذ توقفت بينهم الغارات والثارات نحو تسعة قرون، أي ثلث المدة بين إبراهيم ومحمد – عليهما الصلاة والسلام – (900 سنة تقريبًا).
رمضان والكتب الإلهية:
وقد اختار الله تعالى لنا – نحن المسلمين – أشهر هذه الشهور القمرية،
وجعله أفضلها وأطيبها، وبارك فيه، فجعله موسمًا للعبادة والطاعة، والقربات والخيرات، والصيام والقيام.
والسؤال هنا: لماذا اختار لنا ربنا سبحانه وتعالى هذا الشهر بالذات؟
ونحن هنا نلتمس الجواب من كتاب الله وسنة رسوله ﷺ مع إيماننا بأنه تعالى يحكم ما يريد، ويفعل ما يشاء،
وحكمه كله مبني على كمال الرحمة، ما علمنا منه وما لم نعلم.
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله – في شرح البخاري، (فتح الباري: 9/5): قد أخرج أحمد والبيهقى في الشعب عن واثلة بن الأسقع،
أن النبي ﷺ قال: «أنزلت التوراة لست مضين من رمضان، والإنجيل لثلاث عشرة خلت منه، والزبور لثمان عشرة خلت منه، والقرآن لأربع وعشرين خلت منه».
وفي رواية: «وصحف إبراهيم لأول ليلة» (1).
قال الحافظ: «وهذا الحديث مطابق لقوله تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) (البقرة:185)، ولقوله: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) (القدر:1).»
واستشكل الإمام السيوطى على الحديث السابق بما أخرجه ابن أبى شيبة في فضائل القرآن عن أبى قلابة قال: «أنزلت الكتب كاملة ليلة أربع وعشرين من رمضان» (2).
والإشكال في تحديد الأيام، وليس في أصل القضية، وهو نزول الكتب الإلهية في رمضان، فهذا محل اتفاق في جميع الروايات.
رمضان موسم الهداية الإلهية
فهذا الشهر العتيق قد بارك الله فيه حين جعله ميقاتًا لنزول كتبه الجليلة وزمانًا مقارنًا لحصول هديه لعباده من أقدم العصور،
فهو موسم الهدي الإلهي؛ لأن الكتب التي شرف الله عباده بنزولها فيه هي مستودع شرائعه الهادية،
وهي أوعية منهاجه الحكيم، يستنير الناس بنورها في كل زمان ومكان، ويثوبون إليها عند التنازع والاختلاف،
فترشدهم إلى الصراط المستقيم، والدين القيم.
وقد تأكد هذا الأمر في الرسالة الخاتمة غاية التأكيد،
حين نزل الكتاب المعجز في رمضان، وبدأ منه في (ليلة مباركة)، وهي (ليلة القدر) العظيم، والشرف المبين
كما قال تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ) (الدخان:3)، وقال تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) (القدر:1)،
وقال عز وجل: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ) (البقرة:185).
وبذلك كان رمضان – بفضل الله تعالى – هو خير الشهور، لارتباط نزول هذا الهدي الإلهي فيه عبر العصور.
خير الشهور لخير الأمم:
ويأتي السؤال ثانيًا: لماذا خصنا الله تعالى نحن المسلمين بالذات بهذا الشهر المبارك؟
والجواب: لأن الله تعالى جعل هذه الأمة أمة رسالة ودعوة،
وحملها رسالته الخاتمة إلى العالمين جميعًا، وأعطاها القرآن على لسان رسوله ﷺ (مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ) (المائدة:48).
وهو جامع لما توزع من هدى الله على الأمم والشعوب طوال التاريخ البشرى،
على ألسنة المصطفين الأخيار من رسل الله – عز وجل – لذلك كانت هذه الأمة،
كما قال تعالى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ) (آل عمران:110).
وهذه خيرية مشروطة بما ذكر الله – عز وجل -، وليست خيرية عنصرية تقوم على الزيف والادعاء،
كما زعم اليهود وغيرهم لأنفسهم حين قالوا: (نحن أبناء الله وأحباؤه)،
وكذبهم الله تعالى في ذلك أشد التكذيب فقال: (قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ) (المائدة: 18)،
ولذلك ندب الله تعالى هذه الأمة الخاتمة إلى العمل، وحثها على الكفاح والجهاد الناصب في كل مناحي الحياة،
فقال تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) (البقرة:143).
ويقول – عز شأنه -: (وَجَاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللهِ هُوَ مَوْلاَكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ). آخر آية من سورة الحج.
الاحتفال بشهر الهداية الإلهية:
رمضان موسم الهداية الإلهية
ومن هذا الباب كان تكليفنا نحن – المسلمين – بالصيام في شهر رمضان احتفالًا بعيد الهداية الربانية،
واحتفاء بموسم نزول الكتب الإلهية، فجعل الله هذه الحفاوة تمتد شهرًا كاملًا،
ثم جعل أساليبها ووسائلها على النمط الرباني في الهدي والكمال.
بصيام النهار تربية وتزكية، وما يتبع ذلك من ترك اللذات والشهوات،
وتجنب الصخب والسباب، فضلًا عن المعاصي والسيئات.
– وبقيام الليل صلاة وخشوعًا، وقراءة للقرآن كتاب الله الجامع، وتعميرأً للأوقات بالطاعات والحسنات.
– وبشيوع الخير في كل أوقاته، إنفاقًا للمال، وإطعامًا للطعام، وإفشاءً للسلام، ومعونةً للمحتاج، وصلة الأرحام، ودعاء للرحمن.
– ثم بالاعتكاف في المساجد، وإحياء ليلة القدر، والعشر الأواخر من رمضان،
وإخراج صدقة الفطر طهرة للصائم، وإغناءً للمحتاج في هذه المناسبة.
– ثم في نهاية المطاف بهذا التجمع الشامل لصلاة العيد، مع الابتهاج والتكبير، والذكر والشكر لله وحده على ما هدانا إليه من الخير،
وحبانا به من الفضل، وما أنزله علينا وعلى الناس طوال التاريخ من الهدى والفرقان في شهر رمضان.
رمضان موسم الهداية الإلهية
إننا بذلك نحتفل أصالة عن أنفسنا، بما كلفنا الله – تعالى -،
ونحتفل نيابة عن البشرية العانية اللاهية، الشاردة عن شكر الله! لنقدم بعض الشكر لله – عز وجل – على نمط يليق بفضله،
ويتناسب مع جلائل نعمائه، وهو الذي علمنا الغاية والوسيلة، والمبادئ والأساليب، وكلها خير من رب الخير – جل شأنه -،
وصدق الله العظيم: (قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ). (المائدة: 15، 16).
لقد أراد الله تعالى لنا الخير من كل أطرافه، وأتم علينا نعمته من كل جوانبها،
وأراد أن يحبب إلينا ما شرعه لنا من الخير
فقال تعالى في تضاعيف آيات الصيام: (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (البقرة: 185)
والمعنى: أن تكاليف الله تعالى لكم مبنية على السهولة لا على المشقة، لذلك فاستبشروا وأكملوا عدة الصيام، واختموه بتكبير الله تعالى في العيد، وتعظيمه وإجلاله على هدايته لكم وللبشر فبلكم،
ولتكونوا على رجاء تأدية بعض شكره على عظيم نعمه، خاصة إنزال الكتب، وتفصيل الشرائع والأحكام الهادية.
احتفالات الأمم بأيامها:
جرت عادة الأمم طوال التاريخ قديمًا وحديثًا على الاحتفال بأيامها الكبيرة، ومناسباتها المهمة،
كقيام الممالك والدول، أو الانتصار في الحروب الفاصلة، أو إنجاز ما تنظم به حياتها من قوانين ودساتير ما أنزل بها من سلطان.
وسواء كانت هذا المناسبات مقبولة، أو ظالمة فاجرة،
فإن الناس في كل العصور قد صبغوا احتفالهم بها، بكل ألوان الانحراف والشذوذ من: تبرج النساء، والاختلاط الماجن، واللهو واللعب،
والطبول والمزامير، واحتساء الخمور، والرقص والفواحش، واقتناص اللذات والشهوات، والتسابق في ابتكار أساليب ووسائل الفسوق عن أمر ربهم عامًا بعد عام،
وكل حزب بما لديهم فرحون!
ولقد قادت الجاهليات أهلها دائمًا إلى نهاية الفوضى والمجون،
حتى في مواطن الجد، وأماكن عبادتهم، فابتدعت للناس أن يطوفوا حول بيت الله عرايا، بل اتخذوا دينهم لهوًا ولعبًا،
كما قال تعالى: (وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) (الأعراف:28).
وقال – عز وجل -: (وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا) (الأنعام:70).
وقد أنكر عليهم سبحانه وتعالى وسائلهم الفاسدة،
فقال تعالى: (وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا) (الأنفال:35)، أي: صفيراُ، وتصفيقًا، وصراخًا، وهتافا ًفارغًا.
وحين كفرت الجاهليات المعاصرة بكل دين، جعلت ذلك أسلوب الجماهير المستخفة في كل مكان،
ونقلت هذا إلى ملاعب الكرة، ومسارح التمثيل، وحفلات الرقص والغناء الماجن، حتى تسللت بها إلى بقايا الكنائس الغربية، والمعابد الوثنية!
أجهزة الإعلام المعاصر:
ومن هنا يتبدى لنا الوجه الحقيقي لما يزاوله الإعلام المعاصر من إفساد لمعاني هذا الشهر في هوس المؤمنين
، ومن مناقضة شرسة لما أراده ربنا من تربية وتزكية لعباده، ومن تدمير أو طمس للهدف الأسمى في جعل هذا الشهر المبارك (عيدًا) للدستور الإلهي،
وموسمًا للشكر والذكر، ومناسبة سنوية لتجديد الإيمان، وتثبيت معاني المنهاج الإلهي في القلوب، والعقول، وواقع الحياة.
لقد أصبح كثير من أجهزة الإعلام في بلاد الإسلام عورات بادية، وسوءات فادحة فاضحة، وقدأسهمت في جعل نهار رمضان موسمًا للتعطل والتبطل، وظهرًا للخمول والكسل،
وأحلت إحياء ليله إلى موات شامل بما تعرضه من دنس القول والعمل، وبما تقدمه من فتنة المسموع والمرئي،
وبما تزينه من تبرج الجاهلية، ومن فنون الكاسيات العاريات من الملابس والأخلاق جميعًا، حتى فيما سمونه: المسلسلات الدينية!
وبهذا وأمثاله شاع الفساد والفاحشة في المسلمين، وأصبح “موسم العبادة” والشكر مرتعًا للمعاصي والعورات باسم الدين،
وتحت عناوين خداعة تجعل الدين لهوًا ولعبًا، كالملاهي الراقصة الساقطة التي تختم (بسحور رمضاني)
وكالحفلات الماجنة التي تقام بمناسبة الشهر المبارك، وتستمر حتى (مطلع الفجر) كما يذكرون في الإعلانات بلا حياء ولا خجل.
رمضان موسم الهداية الإلهية
ومن أحسن من الله صبغة؟
وعلى كل مؤمن عاقل يؤمن بالله واليوم الآخر أن ينظر في أمره، ويحسن الاختيار لنفسه،
فيسارع إلى ما أراده ربنا سبحانه من اتخاذ هذا الشهر موسمًا للخيرات، وطهارة العبادات والعادات، والإقلاع عن المحرمات وقتل الأوقات،
شكرانًا لله عز وجل على ما هدانا إليه من الدين،
وما علمنا من الشرائع والأحكام وتعظيمًا له سبحانه على نعمه السابغة، وبالشكر تدوم النعم، وتزول النقم.
اللهم اهدنا وأمتنا إلى طريق الحق، وطهرنا جميعًا من الفساد والمفسدين في الأرض، واجعلنا هداة مهتدين في هذا الشهر الجليل، وفي كل حين، وآخر دعونا أن الحمد لله رب العالمين.
————————–