عام الكارثة الحقوقي
“عام الكارثة الحقوقية ” هذا هو العنوان الأبرز لعام 2021، والذي شهد تراجع حقوقي غير مسبوق بمصر، في ظل الاستبداد والديكتاتورية والقمع الذي يعيشه المصريون، فقد تصاعدت الانتهاكات في حق المعتقلين رغم “الاستراتيجية المزعومة”، والسجون تحولت لمسالخ للتعذيب رغم بروباجندا إنشاء أكبر سجن بأحدث تقنية، والطوارئ تحولت لقوانين دائمة رغم إلغائها، والقضاء واصل تسييس أحكامه رغم الإعلان الرسمي للحكومة بأنه أفضل نظام قضائي في المنطقة، والأرقام المفزعة في الانتهاكات تؤكد تراجع مصر للخلف در حقوقيا ، ومن خلال سطور هذا التقرير نرصد تفاصيل هذه الحقائق .
القتل بالإهمال الطبي والإعدامات سنة 2021
في ظل الاستراتيجية الجديدة لحقوق الإنسان المزعومة ، يختتم عام 2021
باستشهاد الضحية رقم 50 لهذا العام في السجون، والسادس في ديسمبر الجاري !
حيث توفي المعتقل هشام القاضي حنفي داخل محبسه بسجن العقرب والذي انتقل إليه منذ 10 أيام فقط.
والقاضي -61 عام- نائب برلماني سابق ومن أبناء محافظة قنا، وجرى اعتقاله عام 2014 لمدة 4 سنوات ثم أعيد اعتقاله مجددا في الثامن من مارس الماضي، ومما يذكر أنه شقيق أبوبكر القاضي الذي توفي أيضا داخل محبسه عام 2014..
كما ذكرت عائلته أنهم علموا اليوم فقط بوفاته رغم وقوعها منذ أربعة أيام !
وشهد عام 2021 الحصيلة الأكبر كانت من نصيب المرضى الذين تعرضوا للإهمال الطبي في السجون، حيث رصدت منظمة “نحن نسجل” الحقوقية وفاة 5 معتقلين سياسيين في السجون ومراكز الاحتجاز المصرية خلال شهر كانون الأول/ ديسمبر.
ووثقت منظمات حقوقية مصرية وفاة زهاء 50 معتقلا منذ بداية العام الجاري، جراء الإهمال الطبي المتعمد، واستمرار سياسة الحرمان من الرعاية الصحية، وتفاقم الإهمال الطبي للمرضى بأمراض مزمنة وكبار السن، من بينهم المعلم المثالي على مستوى الجمهورية عام 2012، الذي كرمه الرئيس الراحل محمد مرسي والدكتور حمدي حسن ، والدكتور عصام العريان وغيرهم الكثير .
وشهد عام 2021 إعدام 17 معارضا في 26 نيسان/ أبريل 2021، بالقضية المعروفة إعلاميا بقضية “اقتحام قسم شرطة كرداسة”، وظلت مصر ضمن أكبر خمس دول منفذة لأحكام الإعدام في العالم عام 2020، بحسب منظمة العفو الدولية.
وأشار تقرير للمنظمة الأفريقية لحقوق الإنسان، رغم انخفاض تنفيذ أحكام الإعدام المسجلة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إلى أنها ارتفعت في مصر 3 أمثالها، فإن من بين 107 أعدموا في مصر، أدين من بينهم 23 شخصا في قضايا تتعلق بقضايا سياسية، بعد محاكمات وصفتها منظمة العفو الدولية بأنها بالغة الظلم، وشابتها اعترافات قسرية وانتهاكات أخرى.
أيضا شهدنا قبل أيام، جانب من الانتهاكات بحق المعارضين في مصر بواحدة من أكثرعمليات الإذلال في السجون، في العالم وليس في مصر، بحرمان طبيب وأكاديمي مصري مسن ، نائب مرشد جماعة الإخوان المسلمين، محمود عزت، من “شم الهواء” و” رؤية الشمس “، وقيام السجان برمي “اللقيمات” له من فتحة الزنزانة الانفرادية، وعدم رؤيته لأسرته أومحاميه أو عريضة اتهاماه، وفق ما كشفه لمحكمة.
وتعددت أنواع الانتهاكات بحق المعارضين، سواء من خلال إصدار أحكام قاسية من قبل محاكم استثنائية، أو بإذلال وحرمان واضطهاد المحبوسين في السجون، بغض النظر عن أعمارهم وجنسهم، أو بوفاة العشرات داخل محابسهم جراء تفاقم معاناتهم الصحية، والإهمال الصحي المستمر، وتركهم دون رعاية كافية حتى الموت، وإصدار أحكام نهائية بالإعدام بحق معارضين بارزين.
وانتقدت منظمات حقوقية وحقوقيون وسياسيون مصريون ودوليون إذلال المعارضين المتعمد، وأعربوا عن استغرابهم بأنه في حين يسمح لـ”الجواسيس وتجار المخدرات والمتهمين بالقتل والرشاوى والفساد بالتريض والزيارة، وإدخال الطعام والدواء، يحُرم هؤلاء، ومن بينهم علماء وأساتذة جامعات وأطباء ومحامون ومدرسون وحقوقيون ونشطاء وغيرهم، من أبسط حقوقهم الأساسية وهم رهن سجون النظام وليسوا مجرمي حرب”.
وكانت “الشبكة المصرية لحقوق الإنسان” أكدت مؤخرا أن ما يحدث بالسجون ومقار الاحتجاز جريمة قتل مع سبق الإصرار والترصد بأوامر سيادية .
ودقت الشبكة ناقوس الخطر للالتفات إلى الحالة المأساوية للمعتقلين، أملا في إنقاذ ما يمكن إنقاذه، ودعت الجميع إلى الالتزام بمواد الدستور والقانون
وأكدت “المنظمة العربية لحقوق الإنسان” مؤخرا تواصل سقوط الضحايا بين معتقلي الرأي في السجون؛ بسبب ظروف الاحتجاز السيئة التي يكتنفها إهمال طبي متعمد، ووضع كثير من المعتقلين في زنازين انفرادية، وغير ذلك من انتهاكات حقوق الإنسان التي يقف المجتمع الدولي صامتا أمامها.
وطالبت المنظمة الأمين العام للأمم المتحدة والجهات الأممية ذات الصلة، بممارسة ضغط حقيقي على نظام الانقلاب، لإنقاذ أرواح عشرات الآلاف من المعتقلين من الموت البطيء، في ظل عمليات التعذيب النفسي والبدني الممنهجة التي يتعرضون لها دون توقف، والعمل بشكل فعال للإفراج عن كافة المعتقلين السياسيين في مصر.
تردي أوضاع السجناء
كما أكد “مرصد أماكن الاحتجاز” الصادر عن الجبهة المصرية لحقوق الإنسان، تردي حالة المحتجزين داخل 35 سجنا بأنحاء الجمهورية في ظل ظروف شديدة القسوة، والتعنت المتعمد من قِبَل إدارات السجون، وإصرار داخلية الانقلاب على إظهار صورة مُغايرة للواقع تُصدّرها للرأي العام من خلال الزيارات المُعدّ لها مسبقا.
وطالبت الجبهة وزارة داخلية الانقلاب “بضرورة إجراء عملية إصلاح شاملة لقطاع السجون، بهدف تحسين ظروف الاحتجاز بها وضمان حصول المحتجزين فيها على حقوقهم المكفولة في القانون والدستور، وأكدت أن الاستمرار في تنظيم زيارات، مُعد لها مسبقا، إلى السجون لا يحل أي مشكلة؛ بل يعكس حالة من التزييف السطحي يعلم الجميع حقيقتها، ودعت الجبهة وزارة الداخلية بحكومة الانقلاب إلى الاهتمام بحقوق المواطنين، بدلا من الاهتمام بتحسين صورتها أو الرد الدفاعي على الانتقادات الدولية”
وأرجع المرصد، التردي الشديد في أوضاع 35 سجنا غطاها المرصد، على مدار عام كامل منذ مايو 2020 إلى مايو 2021، إلى عدة أسباب؛ أبرزها سياسة التعنت المتبعة بحق المحتجزين من قبل إدارات تلك السجون، والتي تضيف الكثير من المعاناة على حياة المحتجزين اليومية ، لضمان خضوعهم بشكل كامل
منظمة “هيومان رايتس واتش” أكدت في تقرير لها أن السجون المصرية بالرغم من الفيديوهات التي تناقلتها “الداخلية” عن السجن الجديد بوادي النطرون ، تشهد انتهاكات غير مسبوقة وأن التعذيب والحرمان من كل الحقوق القانونية أصبح منهج مستمر .
الترحيل من السجون
وأنهى النظام المصري عام 2021 بنقل وتغريب الآلاف من المعتقلين عن سجونهم، وذلك بحسب مصادر حقوقية، التي أكدت بدء عملية ترحيل عدد من المعتقلين إلى سجن العقرب شديد الحراسة، جنوبي القاهرة.
وأضافت المصادر، أنه تم ترحيل عدد من معتقلي سجن القاهرة تحقيق، المعروف بـ”تحقيق طرة” وليمان طرة إلى سجن “العقرب 2″، كما شمل القرار المحبوسين احتياطيا في السجن ذاته.
وكشفت “الشبكة العربية لحقوق الإنسان”، في وقت سابق، عن قيام إدارة سجن ليمان طرة بترحيل عدد 60 معتقلا إلى سجن المنيا وأبو زعبل، مشيرا إلى أن هناك 300 معتقل في انتظار الترحيل إلى السجون الأخرى.
دكتور ” #سعد_الكتاتني” رئيس البرلمان الوحيد المعتقل على مستوى العالم ‼️
أكثر من 8 سنوات خلف القضبان ولا يزال صامداً ثابتاً ..💪#الحرية_للمعتقلين #أنقذوهم pic.twitter.com/FZVWnNDCTV— Watan TV-تلفزيون وطن (@watanegypt) December 29, 2021
وأكد محامون أن عملية نقل السجناء لم تشمل فقط الموقوفون احتياطياً، بل أيضاً الصادر بحقهم أحكام قضائية نهائية، ربما تهميدا لنقلهم إلى مجمع سجون وادي النطرون الجديد، بحسب “القدس العربي”
وذكرت حملة “الحرية لأحمد دومة (ناشط سياسي)” أنه تم إبلاغه قبل أيام بأنه سيتم نقله إلى سجن آخر، تحت حراسة مشددة.
وتخطط الحكومة المصرية لإخلاء المساحة الضخمة التي يحتلها سجن طرة، على ضفاف النيل وسط العاصمة القاهرة؛ للاستفادة منها في بناء مشاريع استثمارية، وطرح تلك الأراضي للبيع بمبالغ خيالية.
وسيضاف المجمع الجديد إلى 35 سجنا جديداً أنشئت بعد ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، ما يرفع إجمالي عدد السجون في البلاد إلى 78 سجنا
انتهاكات بالجملة في أول 100 يوم من “إستراتيجية حقوق الإنسان”!
وقد رصدت منظمة “كوميتي فور جستس” في تقرير لها بعد 100 يوم من إعلان الاستراتيجية “المزعومة”، انتهاكات بالسجون غير مسبوقة وأكد التقرير إن الواقع المرصود على الأرض في مصر بعد 100 يوم من إطلاق السيسي “الإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان” في 10 سبتمبر/أيلول الماضي يؤكد على أن تلك الإستراتيجية لم تتعد كونها حبرا على ورق، كذلك رصدت “كوميتي فور جستس” خلال هذه الفترة 1046 اعتقالا تعسفيا في 10 محافظات مصرية مختلفة، و187حالة اختفاء قسري، منهم 11 شخصا تم إخفاؤهم داخل مقار الاحتجاز بعد حصولهم على حكم بالبراءة من محكمة أمن الدولة طوارئ، وتم تدويرهم على قضايا جديدة.
وأيضا تعرض 53 متهما للتدوير “الاعتقال المتجدد” -سواء بعد صدور أحكام بحقهم أو بعد إخلاء سبيلهم ، كما رصدت المنظمة وفاة 10 محتجزين داخل مقار الاحتجاز المصرية خلال أكتوبر/تشرين الأول، ونوفمبر/تشرين الثاني الماضيين، معظمهم نتيجة الحرمان من الرعاية الصحية، من ضمنهم البرلماني السابق حمدي حسن الذي توفي داخل سجن العقرب نتيجة الحرمان من الرعاية الصحية لمدة 8 سنوات منذ احتجازه في 2013.
وأشارت المنظمة في تقريرها إلى رصد 17 انتهاكا ضمن الحرمان من الرعاية الصحية في 8 مقار احتجاز على الأقل، ضمنها حالات حرجة أو مصابة بأمراض خطيرة، مثل فاطمة عبد الرسول (47 عاما) حيث إنها مصابة بسرطان الدم وترفض السلطات علاجها داخل مستشفى وتصممم على إبقائها في سجن القناطر للسيدات.
وفيما يخص إساءة المعاملة والتعذيب داخل مقار الاحتجاز رصدت المنظمة عدة شكاوى من تصاعد الانتهاكات داخل 6 منها على الأقل، من ضمنها ليمان المنيا، وسجن الزقازيق العمومي، وسجن طرة شديد الحراسة 992 (المعروف بسجن العقرب)، وأيضا تم رصد استغاثة ذوي المحتجزين في سجن شبين الكوم العمومي لإنقاذ ذويهم من الانتهاكات التي تتم بحقهم من قبل رئيس مباحث السجن والمخبرين ودخولهم في إضراب عن الطعام، كذلك تم رصد وقوع اعتداءات من قبل ضباط سجن وادي النطرون 440 على سجين أردني يدعى سامي الجزرة، حيث تعرض للسرقة والضرب والإيداع التعسفي داخل زنازين التأديب الانفرادية.
وشددت “كوميتي فور جستس” على أن كل تلك الوقائع المرصودة خلال فترة الـ100 يوم من إطلاق “الإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان” بمصر تؤكد أنه لا أثر لبنود ومحاور تلك الإستراتيجية الوهمية على أرض الواقع، فالانتهاكات مستمرة، وتسييس القضاء وتفصيل القوانين لقمع الأصوات المعارضة مستمر وبلا هوادة، مما يبرهن على أن تلك الخطوة كانت مجرد إجراء شكلي ليس أكثر من السلطات المصرية لتخفيف الضغط الدولي عليها.
كما رصدت مؤسسة “كوميتي فور جستس”، تقريرها نصف السنوي 4664 انتهاكًا داخل السجون ومقار الاحتجاز بمصر، داخل 95 مقرا للاحتجاز، وثقت منها 12.5 في المائة، أي ما يعادل 586 انتهاكًا خلال فترة التقرير
قانون الطوارئ أصبح دائم في 2021
كما شهد عام 2021 ، تقنين حالة الطوارئ الاستثنائية الي دائمة من خلال برلمان العسكر ، وذلك رغم إلغاء حالة الطوارئ في 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021 فإنه ترافق مع ذلك تعديلات على قوانين خاصة بالمحاكمة العادلة تزيد تقويض ضماناتها.
وفي 31 أكتوبر/تشرين الأول 2021 وافق البرلمان المصري على مقترح الحكومة بتعديل بعض أحكام القانون رقم 2014/136 في شأن تأمين وحماية المنشآت العامة والحيوية، ليصبح قانونا مستمرا بدل أن كان تنفيذه مقتصرا على عامين فقط
وفي الأول من نوفمبر/تشرين الثاني 2021 وافق البرلمان أيضا على تعديلات قانون مكافحة الإرهاب، والتي كان من أبرزها إضافة نص المادة “32 مكرر”، والتي أجازت لرئيس الجمهورية فرض عقوبات تصل إلى السجن المشدد على من يخالف التدابير المخول له اتخاذها بموجب المادة 53 من القانون ذاته
وفي تعليقه، يقول مدير الأبحاث في مبادرة الحرية الأمريكية بواشنطن إن “قرارات القضاء المصري -كما هو معروف لدى جميع منظمات حقوق الإنسان الدولية- تفتقر لمعايير المحاكمة العادلة، ومسيسة بامتياز، وقد تعمد النظام منذ سنوات خفض سقف التوقعات بممارسات قمعية وتعسفية أكثر إلى درجة أن أبسط الإجراءات (مثل البت في القضية 173 للمجتمع المدني) تبدو إنجازا كبيرا”
وبشأن عدم اكتراث السلطات المصرية بالمناشدات والضغوط الدولية، أكد في حديثه لـ”عربي21″ أن “النظام الحالي يرى أن تعاونه مع الولايات المتحدة أمني فقط، لذلك نراه يتباهى بدوره في غزة، ويتمادى في قمع المعارضة السياسية. على الرغم من ذلك، فإننا نرى نشاطا غير مسبوق من أعضاء مجلسي النواب والشيوخ فيما يخص قضايا المعتقلين في مصر. نعمل على أن تكون قضية المعتقلين محل اهتمام صناع القرار والرأي العام الأمريكي، بغض النظر عن الإدارة الحالية”.
أرقام مفزعة في 2021
المصدر : إنسان للاعلام