الدراما وصناعة الأجيال
في السنوات الأخيرة، يتحدث نقاد وخبراء ومهتمون بالفن عن أزمة نصوص تعيشها الدراما العربية. وتعود هذه الأزمة إلى التداول بقوة في النقاشات، وعبر شبكات التواصل الاجتماعي، في معرض تقييم الأعمال الدرامية التي تقدم بغزارة خصوصا خلال شهر رمضان المبارك، وتظل متداولة شهورا بعد ذلك.
تلقي هذه الأزمة بظلالها على الهوية الثقافية للسوق الدرامية العربية. ضعف النصوص وركاكتها يضيعان الجوهر النبيل للأعمال الدرامية ويحولانها من صناعة ورسالة الى استهلاك وأرباح فقط. ذلك أن النصوص المتينة والمسبوكة بعناية هي التي تمنح هوية مميزة للعمل وللسوق الدرامية التي ينطلق منها. من أهل الفن أو الكار، ثمة من ينحو باللائمة على الذائقة الفنية للمشاهدين كدليل على الانحدار الفكري. وهذا في حدّ ذاته يعكس أزمة ثقافية عميقة.
الدراما وصناعة الأجيال
لا ريب أن هناك أزمة نصوص، لكن هل حقا هناك أزمة ثقافية، أم فجوة بين صنّاع الدراما والأوساط الأدبية؟ وما تأثير ذلك على الهوية الثقافية العربية؟ وما دور شبكات التواصل والأجيال الناشئة؟
يستخدم صنّاع الدراما معزوفة “ما يطلبه الجمهور” لتبرير ابتعادهم عن الأدب. ذلك مردّه بحسبهم إلى الأمية الثقافية المنتشرة لدى الجمهور العربي. لكن الانحدار الفكري والمعرفي في عدد من الأعمال الفنية في السنوات والعقود الماضية يعبر حقيقة عن ضعف المخزون الثقافي والفكري لصنّاع المشهد الدرامي أنفسهم من شركات إنتاج ومخرجين وحتى ممثلين. من دون إغفال دور مقص الرقيب القاسي في الحدّ من القدرة على الإبداع. بيد أن ذلك لا يلغي حقيقة أن الجمهور العربي يشكل قاعدة واسعة ومتنوعة الأذواق، ولا يمكن أن يكون محصورا فقط في فئة تميل الى الأعمال السطحية.
مع ذلك، فإن الأدب هو الذي يترك أثرا في الذاكرة، وقد يؤدّي الى تغيير الناس والمجتمعات، في حين أن الدراما عابرة ينتهي أثرها بانتهاء عرضها، وإن كان الجيل الصاعد هو الأكثر تأثرا بهذا المستوى من التسطيح والسيولة. من هذا المنطلق، ينبغي إعادة الاعتبار الى الأدب والروايات في صناعة الدراما العربية، والعمل على تقليص الفجوة القائمة بينهما وصولا إلى إزالتها، ولا سيما أن المجال الأدبي رحب ويزخر بالكثير من المواهب التي تتفتح مثل البراعم التي تنبت على أرض قاسية ومعقّدة.
كيف تصنع الدراما العربية أجيالا منعزلة عن قضايا أمتها؟