التحديات المعاصرة نظرة شرعية
إن شأن الأسرة في كل أمة شأن عظيم، وما يصيبها ضررُه على الفرد والمجتمع ضرر جسيم، لذلك تحتاج إلى إحكام وتحصين، ومناعة تصد بها الغارات الوافدة، وتواجه بها التحديات المحيطة، والمشكلات العارضة.
وحين نتحدث عن التحديات نتحدث عن مشكلات، وعوائق وعقبات لا بد من الوعي بها -ابتداءً- حتى يسهل تذليلها، والبحث عن المخارج والحلول التي توصل إلى أن تكون أسرنا مستقرة ثابتة مثمرة.
ونحن إذ نتحدث عن الأسرة المسلمة المكَرَّمة لا بد أن نستحضر السياق العام؛
وهذا السياق –للأسف- فيه هجوم على القيم الفطرية الإنسانية التي جعلها الله عز وجل للناس شرعة ومنهاجا،
حيث تعيش هذه الأسرة في بحر هائج، وفي محيط مضطرب، ووضع معقد يراد لها أن يمسها المسخ والفسخ والبخس.
المسخ الذي يستهدف هويتها الدينية وشخصيتها الإيمانية، والفسخ الذي يروم تفكيك بنيتها الاجتماعية،
كذلك والتبخيس والتقليل من قيمتها التربوية، ووظيفتها الإصلاحية، وكلها تحديات ومخاطر سنفصل فيها لاحقا.
التحديات المعاصرة نظرة شرعية
ومعلوم أن للأسرة في الإسلام هوية ربانية، وشخصية إيمانية تتصل بقيمه، وتمتح من معينه، وتسترشد بأحكامه، وقد جعل الله منطلق تأسيس هذه النواة المجتمعية: “رابطة الزوجية” التي جعلها إرادة ناجزة، وسنة ثابتة، وطريقا واضحا لتكثير النوع الإنساني،
قال تعالى: (وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى) (النجم:45)، وقال عز من قائل: (فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى) (القيامة: 39)
وقال سبحانه: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا) (الأعراف:189
فلا انفكاك لهذه الأسرة عن محضنها الشرعي، ومرتكزها القيمي الذي يراد أن تفصل عنه، ويفك ارتباطها به،
أيضا وتنتزع منها هذه الهوية حتى يسهل الانقضاض عليها، ومسخ هذه الروح السارية؛ روح الإسلام وقيمه.
لذلك نشهد في الآونة الأخيرة محاولات دائبة للترويج لأفكار مقطوعة عن هذا السياق الرباني الخالد، مصادمة له، منفرة منه،
كما أن منها الأصوات التي ارتفعت منادية بتشريع “الزواج المدني” وإدراجه ضمن مدونات الأسرة،
كذلك وقوانين الأحوال الشخصية وتشريعاتها المعمول بها في الدول الإسلامية.
أيضا ولا ننسى أن هناك مساع حثيثة لإعادة صياغة تعريف “للأسرة” بما يفتح الباب للشذوذ الجنسي، والانحلال الأخلاقي، والخروج عن الفطرة السوية عبر زواج رجل برجل،
أو امرأة بامرأة، أو رجل بأخته، أو أب بابنته ومحارمه، بل الأكثر انحدارا وسفولا زواج إنسان مهما كان جنسه بحيوان،
وهنا نستحضر النقاشات التي رافقت إقرار وثيقة بكين سنة 1995،
وما رافقها من محاولات مضنية لتغيير طبيعة الأسرة الإيمانية، ورسالتها الأخلاقية، وبنيتها التكوينية القائمة على وجود رجل وامرأة في رباط مقدس، وعقد شرعي،
ومحاولة نزع الصبغة الشرعية عن الزواج، وفصله عن منظومته القيمية.
المصدر من دراسة للمركز الدولي للإستراتيجيات التربوية والأسرية ICEFS
الأسرة بين القيم الإسلامية والتحديات المعاصرة “نظرة شرعية”