الإخوان المسلمون دعوة شاملة وجماعة عاملة
بقلم: فضيلة الأستاذ/ محمد مهدي عاكف شيخ المجاهدين
المرشد السابق للإخوان المسلمون
عليه رحمات الله ورضوانه
الإخوان المسلمون دعوة شاملة وجماعة عاملة
ليس الإخوان مجرد جماعة من الوعاظ تلهب مشاعر الجماهير بالخطب البليغة،
وإن كان الوعظ والإرشاد من وسائلها،
ولا محض جمعية خيرية تعمل لخدمة المجتمع، وإشاعة البر، ومساعدة الفقراء والضعفاء، وإن كان فعل الخير جزءًا من أعمالها،
ولا حزبًا سياسيًّا فحسب يدعو إلى الحرية وإن كانت الحرية فريضة من فرائض الإسلام والحكومة جزء منه،
ولكنها كما قال الإمام البنا: نحن فكرة وعقيدة، ونظام ومنهاج، لا يحده موضع ولا يقيده جيش،
ولا يقف دونه حاجز جغرافي، ولا ينتهي بأمرٍ حتى يرث الله الأرض ومَن عليها؛ ذلك لأنه نظام رب العالمين ومنهاج رسوله الأمين.
ونحن أيها الناس – ولا فخر – أصحاب رسول الله ﷺ وحملة رايته من بعده،
ورافعوا لوائه كما رفعوه، وناشرو لوائه كما نشروه، وحافظو قرآنه كما حفظوه، والمبشرون بدعوته كما بشروا ورحمة الله للعالمين
﴿وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ (88)﴾ (سورة ص).
أيها الإخوان: يد الله مع الجماعة
إن العمل الجماعي وصية الرسول ﷺ للمسلمين: «يد الله مع الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار»
، «فعليكم بالجماعة فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية»، «مَن أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة».
يقول عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – عن الجماعة:
«إنها حبل الله المتين الذي أمر به، وإن ما تكرهون في الجماعة والطاعة خيرٌ مما تحبون في الفرقة»،
ويقول علي – رضي الله عنه: «كدر الجماعة خيرٌ من صفو الفرد».
هذه الجماعة ترسم للفرد طريقًا يُعينه على الصلاح،
ويقوم على التعاون على البر والتقوى ليحول الكلام إلى الأفعال، والنظريات إلى التطبيق،
ولا يتحقق ذلك إلا بجماعة مترابطة متراصة، يشد مَن أزرها ويقوي عضدها ويحقق أهدافها
وذلك يكون من داخلها وليس من خارجها أصحاب الكفاءات والهمم العالية والتخصصات النادرة والمفكرون الملهمون والمواهب الربانية،
والمهرة بل والرواحل، الذين لها يعملون، ولمنهاجها يطبقون، وبقادتها يثقون وبأُخوتهم يتحابون، وبثوابتها يلتزمون، وعندئذٍ يكونون جديرين بنصر الله.
أيها الإخوان: الأعمال الكبيرة لا تتم إلا بجهود متضافرة
المؤثر في حركة التاريخ أو في نمو الحضارة وازدهارها ليس وجود الأفراد المخلصين الذين يتصفون بالأخلاق الحميدة
وذلك مهما بلغ صلاحهم وتقواهم وإدراكهم لحقائق الأمور والواقع المرئي يؤكد ذلك، ولكن المؤثر الأهم أن تكون هناك حركة جماعية، وتيار قوي يُؤثِّر في غيره بالتعريف والمجاهدة
ومخالطة الناس والصبر على أذاهم، لا يتأثرون بغيرهم،
يقولون الحق بعزة المؤمن الذي يستمد قوته من الله الكافي عبده.
وليس هذا تقليلاً من عمل الفرد ولا ما يتحلى به من صفات كريمة
سواء كانوا أفراد وعلماء مخلصين يلتزمون في خاصة أنفسهم ويدعون غيرهم إلى الالتزام
ثم لا يهتمون بالتكوين والتنفيذ، وهي المرحلة الأهم؛ لأنها هي التي تُنزِّل ما تبيَّن لهم على أرض الواقع.
إن الواقع يشهد أن العمل الجماعي هو المثمر، فاليد الواحدة لا تُصفِّق، والمرء قليلٌ بنفسه كثيرٌ بإخوانه، ضعيفٌ بمفرده، قويٌّ بجماعته،
والأعمال الكبيرة لا تتم إلا بجهودٍ متضافرة، والمعارك الحاسمة لا يتحقق النصر فيها إلا بتضام الأيدي وتعاضد القوى،
كما قال القرآن: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ (4)﴾ (الصف).
أيها الإخوان المسلمون.. أيها الناس أجمعون
إن القوى المعادية لرسالة الإسلام وأمته، لا تعمل بطريقةٍ فردية، ولا في صورة فئات مبعثرة،
بل تعمل في صورة تكتلات وتجمعات منظمة غاية في التنظيم، لها هياكلها ولها أنظمتها، ولها قيادتها المحلية والإقليمية والعالمية،
ومن الواجب علينا أن نحارب أعداءنا بمثل ما يحاربوننا به، ولذلك كانت الجماعة فريضة شرعية، فالباطل المنظم لا يغلبه إلا حق منظم.
والقرآن الكريم يحذرنا من ذلك حين يقول:
﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ (73)﴾ (الأنفال).
وأي فتنةٍ وأي فسادٍ أكبر من أن تتجمع قوى الكفر وتتفرق قوى الإسلام، وأن يتلاحم أهل الباطل، ويتمزق أهل الحق، فهذا هو الخطر الكبير والشر المستطير.
ولذا فإن الإخوان يدرءون الفتنة بصفٍّ واعٍ متراصٍ متحابٍّ يتميز بتعاونه مع كل الأفراد والهيئات العاملة للإسلام على الساحة العالمية.
أيها الإخوان المسلمون.. أيها الناس أجمعون
لا يتم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا بالجماعة التي تمتثل أمر الله
﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104)﴾ (آل عمران).
إن الفرد الصالح – في فهمنا للإسلام – يعتبر شريكًا بسكوته على المنكر، فما الذي يستفيد منه المجتمع بصلاحه الذي يتحلى به،
وهو لا يتعاون مع إخوانه ليحققوا مجتمع الفضيلة، إن الساكت على الحق شيطانٌ أخرس
﴿وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (25)﴾ (الأنفال)
ولذلك تسأل السيدة عائشة – رضي الله عنها – رسول الله ﷺ: أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: «نعم؛ إذا كَثر الخبث
تأمل سؤالها فلم تقل: «وفينا المصلحون»، لأن المصلحين هم الذين يعملون على إزالة الخبث.
وفي الحديث أيضًا:
«إذا أخفيت الخطيئة لا تضر إلا صاحبها، وإذا ظهرت فلم تغير ضرت العامة»،
وهي لا تغير إلا بالذين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر.
أيها الإخوان المسلمون.. أيها الناس أجمعون
الإخوان المسلمون دعوة شاملة وجماعة عاملة
الجماعة من ثوابت الإسلام
لذلك كانت الجماعة من ثوابت الإسلام نفسه الذي يدعو إلى تحقيق النظام في أقل عددٍ يتصوره المسلم حتى ولو كان مسافرًا،
فإن كان بمفرده في سفره فالشيطان معه، وإن كانوا أكثر من ذلك ولو ثلاثة كان لا بد من أن يؤمروا عليهم أمير..
«إن كنتم ثلاثة فأمروا أحدكم»، فما بالك بمن يريد أن يحيي أمة ويقيم دولة ويصنع حضارة،
ألا يحتاج هذا إلى تنظيم دقيق وأمير لجماعة مطاع يشعر كل فرد فيها أنه في كيانٍ مطالب أن يقيم دين الله على الأرض.
وإذا كانت إقامة الإسلام واجب المسلمين جميعًا، فإن الوسيلةَ إليه وهي الجماعة من الواجب أيضًا، فما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب،
خصوصًا ونحن في زمانٍ لا يعرف إلا التكتلات والتجمعات لتحقيق المصالح،
فما بالك بالإسلام الذي يعتبر الجماعة إيمانًا والتفرق كفرًا.
وإنَّ معنى الجماعة في نفس الفرد لا يكتمل إلا إذا شعر:
أولاً: بالاعتزاز بانتمائه إليها.
ثانيًا: الطمأنينة في وجوده فيها.
ثالثًا: أنها حققت أو تحقق أمانيه.
رابعًا: أنه عضوٌ فيها ولبنةٌ من لبناتها يمدها وتمده ويشدها وتشده.
خامسًا: أنه بها وليس بغيرها، وهي إن لم تكن به فبغيره
﴿وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ﴾ (محمد: من الآية 38).
وهذا هو الفرق
بين التجمع الذي لا رابطَ له ولا رأس ولا منهج،
وبين الجماعة التي هي وجدان ووشائج ومشاعر، وترابط وحب، ونظام وأهداف ووسائل، وجند وقيادة غايتها الله؛
ولذلك كان من مهامها إصلاح النفس لتكون تقيةً،
وتكوين الأسرة لتكون مسلمةً،
وإرشاد المجتمع لتسود القيم والمبادئ والأخلاق وشعائر الإسلام ومظاهره في كل أرجائه،
والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة لتطبيق شرع الله، بالوسائل السلمية والشرعية عن طريقها
وذلك بعد أن تحقق قوة الحب وقوة الإيمان فهما السبيل لإقامة شرع الله،
وهذا هو فهمنا الذي ندين به في هذه الجماعة المباركة التي هي جماعة مسلمة
وليست الجماعة المسلمة الوحيدة كما يتقول علينا البعض بما لم نقل،
فنحن نمد أيدينا إلى كل مَن يريد أن يُعيد لهذا الدين سلطانه ولهذه الأمة والدولة ومكانتها.
﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي﴾ (يوسف: من الآية 108)، وصدق رسول الله ﷺ حين قال: «نضَّر الله وجَّه امرءٍ سمع مقالتي فوعاها، ثم أدَّاها إلى مَن لم يسمعها
فربَّ حامل فقه ليس بفقيه، ورب حامل فقهٍ إلى مَن هو أفقه منه».
والحمد لله رب العالمين
——————-
تم نشر هذا المقال لفضيلة الأستاذ محمد مهدي عاكف – رحمه الله – بتاريخ: 8 نوفمبر 2009.