هل الخلافات في الحياة الزوجية أمر طبيعي؟؟
الزواج هو تلك الآية العظيمة ، التي صنعها الباري ؛ فجعل من نفس الرجل بل من ضلعه زوجة له { مِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } فكانت زوجة الرجل من نفسه ؛ لحكمة التعايش التي جعلها الله عز وجل بحد ذاتها آية ؛فلا يستطيع شخصان مهما تقاربا في الطباع ، والصفات أن يتعايشا لسنوات معا بهذا التداخل الرهيب ، والاندماج حد الانصهار .ولكن برغم كل هذا إلا أنه من الطبيعي جدا وجود الخلافات ، التي في بعض الأوقات تكون عاملا من عوامل تجديد الروح بين الزوجين بعد أن يتصافيا ، وتأكيد كل طرف للأخر أنه لا يستطيع أن يكمل الحياة بدون الأخر .
والخلاف يكون نتيجة حتمية للاختلاف بين البيئات ، التي جاء منها كل من الزوجين ،وهناك علاقة عكسية بين الخلافات وبين التكافؤ؛ فكلما زادت درجة التكافؤ بينهما كلما قلت الخلافات .
أنواع الخلافات الزوجية
والخلافات في الحياة الزوجية تتنوع بين صغير وكبير، وبين سهل وصعب؛ فمنها ما يصغر و يمر مرور الكرام كالهفوات أو النقار، وهذا يجب ألا يقفا عنده حتى لا تزيد الخلافات ، ويكثر العتاب بما يَخِلُّ بأصول الحياة الزوجية ،التي تبنى في الأساس على المودة والرحمة .
ومنها ما يكون كبيرا لا يحتمل التخطي ولا الحلول العادية وهنا يأتي دور دخول الحكم بينهما { وانْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا} النساء:35..
وهناك من الخلافات ما يحتاج إلى وقفة حتى تستقيم الحياة ،وذلك بوضع أسس وخطوات عملية تسير عليها الأسرة .
ومسار كلامنا هنا سيكون عن وضع هذه الأسس ، ومراضاة كل طرف للأخر؛ حيث إنه الوضع الغالب على الحياة الزوجية والتي يحتاج لها الجميع.
فكيف يصالح الزوج زوجته ويراضيها ؟
فمحاولات مصالحة الزوج لزوجته تتنوع وفقا لتنوع المشكلات نفسها، ولكن هناك خطوط عريضة سنفرد لها المجال في هذا المقال. وعلينا قبل أن نبدأ أن ننظر إلى هذه القصة الممتعة بحق، و كانت من شخص قد روى قصة حقيقية : أنه ذهب في ضيافة صديق له . وأثناء الطعام صديقه قال لوالدته على سبيل المزاح : مال هذا الطعام ليس جيدا ككل مره . فردت عليه : بأنها أصبحت كبيرة ومن الممتاز أنها مازالت قادرة على إعداد الطعام . فأراد هذا الحاكي أن يطيب خاطر أم صديقه فقال له: وهل تعلم أنت شيئا في الطعام ؟ إنه أجمل ما تذوقته في حياتي . ولكن الحاكي قد فوجئ برد فعل والد صديقه الذي رد عليه وقال لصديق ابنه : ماذا تفعل ؟ أتراضي زوجتي ؟ وأين ذهبت أنا ؟ هذه حبيبتي فلا يراضيها غيري ،ولا يأخذ حقها غيري .وانهال على ابنه بالتوبيخ . إنها المراضاة في أبهى صورها، فقد أرضاها وأسمعها ما تحب أن تسمعه، واخذ لها حقها .وهذا من أروع ما قيل في الترضية والحب .
أما الطريق الذي توصل له الإرشاد الأسري والنفسي . وهو الطريق الذي بني على خطوات مدروسة ، فيتلخص في بعض النقاط للوصول لمراضاة الزوجة بشكل سليم :
أولها : أن ينشئ الزوج حوارا فعالا ، هادئا يتناقش فيه مع زوجته عن المشكلة؛ لمعرفة أين الخلل؟ ثم يقوما معا بإبداء كل منهما رأيه ، ومن ثم يضعان معا كيفية تفادى ما حدث في المرات القادمة .
وعليه في هذه المرحلة القيام بسماعها ، وتفهم اختلافها عنه ؛ بكثرة الكلام والمرادفات ، لأن المرأة تختلف عن الرجل ، فالرجل يعبر عن غضبه بقليل من الكلمات ، بينما المرأة تحاول التعبير بأكثر من طريقة .
وكذلك عليه كسر حاجز الصمت عندها ،إذا كانت لا تريد الحديث ، بذكر موقف مضحك قد مرا به من قبل أو بفكاهة .
ثانيها: وضع أسس وخطوات واضحة لعدم الوقوع في نفس الخطأ في المرات القادمة ، مما يريح قلبها بأنه لن يكرر الخطأ الذي تسبب في أذى لها ، فوضع الأسس يقلل من الصدامات والنزاعات .
ثالثها: المعايشة أي: تخصيص الوقت للإلمام بتفاصيلها ، ويومها ولتفريغ شحنتها من الكلام وإخراج ما بداخلها، حتى لا يتراكم فتصير هناك أزمة عندها .
رابعا: عمل مفاجأة لها من وقت للأخر؛ كخروجه مفاجئة ،أو عزومة على وجبة بشكل مفاجئ، أو هدية وكذلك ممكن أن تكون بالسفر للتنزه ، أو إرضائها في أمر كانت تتمناه ، أو بكلمة تحب سماعها .
هل تختلف طريقة مصالحة الزوجة لزوجها عن مصالحته لها ؟؟؟
تتفق معه في بعض النقاط ، وتختلف في البعض الأخر ، فتتفق معه بأنها قبل بدء كلامها تقوم بوضع أسس وخطوات عملية في هيئة نقاط واضحة ، ستسير عليها لضمان عدم تكرار ما حدث ، وكذلك تتفق معه في كسر حاجز الصمت إذا لم يرغب في الحديث بجو من الفكاهة أو ذكر موقف مضحك كان بينهما يوما .
و تختلف عنه في نقاط أخرى تتلخص في أنها عليها أن تلامس يدها يده وهى تتكلم ؛ حتى يلين قلبه وتهدأ نفسه فهذه اللمسات لها تأثير حقيقي على نفسية الرجل, فيستمع لها جيدا وبهدوء ،وفي هذا قد حدثنا رسول الله في حديثه حيث قال:
( ألا أخبركم بخير نسائكم من أهل الجنة،الودود الولود ،التي إذا ظُلمت قالت لزوجها هذه يدي في يدك لا أذوق غمضا حتى ترضى ).
وعليها أن تتحين الوقت المناسب للحديث، فلا تحدثه إلا بعد طعامه وراحته , وتتجنب وقت نومه، ووقت نزوله لعمله ؛ لأن طبيعة الرجل تجعله لا يستطيع الاستماع بتركيز عندما يكون مشغولا.
وكذلك عليها تهيئة جو جلسة الصلح والصفاء, بإحضار المشروبات ، ونظافة المكان، وظهورها في مظهر لطيف محببا لنفسه؛ حتى يطيب له الاستماع ، وعليها أن تبعد أي مصدرا للإزعاج كصوت الأطفال وغيره .
ومع هذه الخطوات عليها أن تدرك بعض النقاط لكي تستطيع فعل هذه الأشياء بسهولة :
فعليها أن تعي أنه لا يضيرها ، ولا ينتقص من كرامتها أن تكون هي البادئة بالصلح، حتى ولو كان الزوج هو المخطئ ، فالكبرياء ليس له موقع في الحياة الزوجية. فهي سفينة يجب أن تسير وسط أمواج هادئة ، في جو يسوده الحب والوئام ، وتنازل طرفيه , وعليها أن تعي طبيعة الرجل ، فكبريائه يجعل تنازله ليس هينا ، فعليها أن تتعلم كيف تبدأ هي بالصلح ، و في نفس الوقت تجعله يعتذر لها ، ويراضي مشاعرها ، فتكون بهذا حققت كل شيء ، فلم تترك الفجوة تتسع بينهما بسبب كثرة البعد ، وأيضا أرضت كبريائها . وهي معادلة يحب أن تقوم بها المرأة بذكاء .
وعليها أن تعلم أنها مصدر الاحتواء، والحنان والعاطفة واللين , وهذا يترتب عليه أن تكون أيضا مصدر التسامح والتغافر، ولهذا خلقت وقد أهلها الله لذلك ، فيجب ألا يخرج تفكيرها عن هذا السياق، فتستشعر أنها دائما في موضع الذل، مع أنه على العكس تماما فهذا موضع عزتها وتكريمها الذي خلقت من أجله .
وعلى هذا فالحياة الزوجية آية من آيات الله عز وجل في خلقه ، حيث جعل شخصان يندمجان، فيصبح كل منهما لباسا للأخر, ويستطيعان التعايش لسنوات وسنوات، ولكن تحدث في بعض الأوقات صدامات نتيجة اختلاف الطبائع والثقافات , بطبيعة الحال. ولكن بالدعاء وقليل من التنازل، والحب، والود ،وببعض الخطوات التي تم ذكرها هنا يستطيعا أن يمضيا بسفينتهما في وسط أجواء هادئة , حتى يصلا إلى بر الأمان .وحتى يستطيعا إرضاء المولى ، ويقوما بعبادتهما بشكل صحيح .